إن إبطال هذه الروايات يتأتى من وجوه: هذه الروايات كلها ضعيفة، فرواية النسفي عن طريق محمد بن السائب الكلبي وهو معروف بالضعف، ورواية الطبري الأولى من طريق السدي وهو ضعيف أيضًا، والروايات الأخرى تأتي عن طريقهما، وهذان الراويان مشهوران برواية الإسرائيليات، كما أن رواية الإمام النسفي ذكرت أن شعيبًا كان مكفوفًا، وفي هذا وصف للأنبياء بما لا يليق بهم؛ إذ إن العمى نقص بشري، والأنبياء منزهون عن كل نقص بشري؛ لأنهم يرسلون إلى الناس، ولا بد أن يكونوا مع الفطانة، والتبليغ، والصدق، والأمانة يكون شكلهم مقبولًا وطيبًا، لا يقدح في أداء رسالتهم.
ثالثًا: نقول: لقد ورد في رواية النسفي أن موسى -عليه السلام- عرف قيمة العصا، وجاء في تفسير قوله تعالى:{وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}(طه: ١٨) أن موسى -عليه السلام- لما ذكر بعض المآرب شكرًا أجمل الباقي؛ حياءً من التطويل، أو ليسأل عنها الملك العلام فيزيد في الإكرام، والمآرب الأخرى أنها كانت تماشيه، وتحدثه، وتحارب العدو والسباع، وتصير رِشاء فتطول بطول البئر أي: كالحبل الذي يُنزل به الدلو ليملأ به الماء، وتصير شعبتاها دلوًا، وتكونان شمعتين بالليل وتحمل زاده ويركزها، فتثمر ثمرة يشتهيها، ويركزها فينبع الماء، فإذا رفعها نضب، وكانت تقيه الهوامّ.
هذا تكلف صعب وتعسف بالغ الشدة، إذ لو كانت كذلك لما استنكر موسى -عليه السلام- صيرورتها ثعبانًا، أو حيةً تسعى، أو جانًّا كما كان يفرّ منها هاربًا، ويولي مُدبرًا.
إذًا فكل ذلك من الإسرائيليات المنقولة عن أهل الأخبار والقصص، وكذا قولهم: أن العصا كانت لآدم -عليه السلام- أو أعطاه إيَّاه جبريل -عليه السلام- وأيضًا بينما ذكره الإمام النسفي في شأن العصا، وبين ما جاء في القرآن الكريم تناقض واضح،