للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا عثمان يرث عن رسوله رقة الطباع ودماثة الأخلاق وشدة الحياء، حتى يستحيي من نفسه وهو منفرد متجرد لاغتساله، وحتى يقول فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم: "أصدق أمتى حياءً عثمان" ١، وإنه ليدخل على الرسول فيستحيي الرسول منه، فتسأله عائشة عن سبب ذلك، فيقول: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟ " ٢.

وهذا عليٌّ يرث عن رسوله زهده وتقشفه، حتى تهون في نظره أعراض الحياة وأغراض العيش ولذائذ الدنيا فيصرخ في وجه الدنيا قائلا: "يا دنيا غرى غيري، إلي تعرضت أم إلي تشوقت؟ هيهات، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيهن، آه من طول الطريق، وقلة الزاد ووحشة السفر".

وهنا ناحية أخرى.. أن القائد يجب ألا ينفرد بالسلطان والمجد، وألا يستأثر بالرأي يستحوذ عليه، أو الثناء يستبد به، وكم من أناس هيأت لهم الأقدار أن يبلغوا مناصب القيادة والرياسة، فخيل إليهم أنهم قد صاورا في الكون آلهة، وما من إله إلا إله واحد، فلا يقضى أمر إلا بكلمتهم، ولا يوجَّه مدحٌ إلا إلي ذاتهم، ولا يسبح مسبح إلا بحمدهم وشكرانهم، وإن قلوبهم الحاقدة الحاسدة لتتميز من الغيظ وتتقطع من الغل إذا رأوا شخصا غيرهم فعل مكرمة أو استحق تمجيدا، أو بدأ نجمه في الظهور والسطوع، وإنهم ليبذلون كل شيء لكي يقضوا على كل نابغ أو ناهض؛ ليضمنوا البقاء لأنفسهم، وليرضوا شهوة الأنانية المتعمقة في جذور طباعهم، وأف لزمان تفنى الجماعة فيه؛ ليعيش القائد، وتذل الأمة؛ ليعز فرد على أنقاض أبنائها!

وعلى العكس من ذلك كان رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام.


١ المسند جـ٣ ص٢٨١.
٢ مسلم، كتاب "فضائل الصحابة" حديث رقم ٢٤٠٧.

<<  <   >  >>