لقد بعث محمد عظمته في صحابته، وشاركهم فيما منحه الله من صفات وبركات، فحفظ للصغير حقه قبل الكبير، وشاور قومه في الجليل والقليل، وأعطى كلا منهم نصيبه في التحية والإكرام، وأظهر تقدير كل عامل، وأعلن شكران كل فاضل، وما من مكرمة جرت على يد صحابي إلا فرح لها الرسول، كأنها جرت على يديه، وهكذا يكون القائد الرحيب الأفق المتفتح النقي الضمير الطاهر الشعور.
وها هو ذا يمجد أصحابه عامة فيقول:"الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا من بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" ١.
نستفيد من هذا أن الأمة يجب أن تهتدي بهدي قائدها وراعيها، حتى تتجلى مواهبه في أفرادها ونواحيها، فيصبح كل إنسان عظيما في ناحية أو عدة نواحٍ، فتكثر الأيدي القوية العاملة؛ وأن القائد يجب ألا يكون أنانيا يستحوذ على الفضل والخير كله، بل يقدر العاملين، ويهيئ فرص النبوغ للنابغين، حتى تتبارى الكفايات وتظهر العبقريات {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المصطففين: ٢٦] .
وليس بعد أمة محمد أمة؛ لأنها {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١٠] .
وليس مثل محمد قائد أو زعيم؛ لأنه رحمة الله للعالمين، فلم يبق إلا المسير، فمتى يكون؟