إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا}
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيما} .
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يصلح أمر هذا الأمة إلا باتباعهما، ولا يتم اتباعهما إلا بحفظهما أولا، فأما كتاب الله، (فإن الله تعالى تولى حفظه بنفسه ولم يكل ذلك إلى أحد من خلقه فقال تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ، فظهر مصداق ذلك مع طول المدة، وامتداد الأيام، وتوالي الشهور، وتعاقب السنين، وانتشار أهل الإسلام، واتساع رُقعته.
وأما السنة، فإن الله تعالى وفق لها حفاظها عارفين، وجهابذة عالمين، وصيارفة ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ فتنوعوا في تصنيفها، وتفننوا في تذويبها على أنحاء كثيرة وضروب عديدة، حرصًا على حفظها، وخوفها من إضاعتها؛ وكان من أحسنها تصنيفًا، وأجودها تأليفًا، وأكثرها صوابًا، وأقلها خطأ، وأعمها نفعًا، وأعودها فائدة، وأعظمها بركة، وأيسرها مؤنة، وأحسنها قولاً عند الموافق والمخالف وأجلها موقعًا عند الخاصة والعامة ـ: صحيح أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ثم صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، ثم بعدهما كتاب السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، ثم كتاب الجامع لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، ثم كتاب السنن لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، ثم كتاب السنن لأبي عبد الله محمد بن يزيد المعروف بابن ماجة القزويني وإن لم يبلغ درجتهم.