الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع" (١) . فكونه صلى الله عليه وسلم يبين أنه قد يأتي بعض المُبَلَّغين عنه يكون في الوعي، والإدراك، والفهم، والمقدرة على الاستنباط أكثر ممن يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدلنا على أن حديثه مليء بالحكم والأحكام التي يستطيع أهل العلم استخراجها وبيانها للناس ليعملوا بها، وقد كان ذلك في عصر الفقه والفقهاء الذين لم يبتدئوا بأبي حنيفة، ولم ينتهوا بأحمد بن حنبل - رضي الله عن الجميع - الذين كان لهم باع طويل في أخذ الأحكام من الكتاب والسنة، وما يزال أهل العلم في كل مكان، وكل زمان لهم من هذين الأصلين معين لا ينضب، ومورد يحلو ماؤه للواردين.
وأما الوجه الثاني: من وجوه الإعجاز وهو كونه حقاً، فقد سبق أن ذكرت حديث ابن عمرو رضي الله عنهما أنه عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابة كل ما يسمعه منه من الحديث أومأ إلى فمه الشريف وقال: "اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق" فهذا يدل على أن كل ما جاء في السنة المطهرة حق لا مرية فيه، سواء كان إشارة إلى حقيقة علمية، أو قصة تاريخية عن نبي من الأنبياء، أو عن أحد من أهل زمانه، أو إثبات نسب، أو إثبات خاصية دوائية في طعام ما أو شراب فإن كل ذلك حق لا يجوز الامتراء
(١) رواه البخاري في العلم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "رب مبلغ أوعى من سامع" (٦٧١/١٩٠، وأطرافه: (١٠٥و١٧٤١و٣١٩٧و٤٤٠٦و٤٦٦٢و٥٥٥٠و٧٠٧٨و٧٤٤٧) ورواه مسلم في القسامة (١٦٧٩) ٣/١٣٠٥، كما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي في المعرفة، وابن حبان، والدارمي، وابن أبي حاتم، وابن عبد البر، وانظر تتمة التخريج كتاب الإعجاز العلمي في السنة النبوية١/١٦٤.