الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
إن من المتفق عليه عند علماء الإسلام في القديم والحديث أن المحدِّثين من علماء الإسلام كانوا أمناء على السنة النبوية، بما وضعوه من القواعد الدقيقة لفحص الأخبار ونقد المرويات. وكان غرضهم من ذلك تمييز ما صح من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليقدموه للباحثين والمجتهدين، حتى يتم بناء الأحكام على الصحيح دون غيره. ولما كانت السيرة النبوية – في جزء كبير منها- موضعا للأحكام الفقهية في مجالات مختلفة من الأسرة والبيت إلى التصرفات العامة والعلاقات الدولية، فقد أولاها المحدثون عناية بالغة، فعملوا على تصحيح مروياتها. ومن أسباب العناية بها أيضا أن السيرة النبوية هي من الظروف العامة المحيطة بنزول الوحي وبورود الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعلوم أن أسباب الورود لها فائدة في شرح الأحاديث وبيان فقهها. ولهذا لما صنفت كتب مصطلح الحديث عقد المصنفون أنواعا من علوم الحديث تدخل في ظروف الحديث وملابساته لفائدتها في الفهم الصحيح. منها ما ذكره الحاكم النيسابوري في النوع الثامن والأربعين من علوم الحديث وهو معرفة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أورد فيه ما لا يسع المحدث جهله من سيرة رسول الله ومغازيه وبعوثه وسراياه وسنته في ذلك كله. ووجه ذلك أن عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الزمن الذي وردت