من القواعد العلمية التي سار عليها علماء الإسلام وبخاصة المحدِّثون، في تحقيق أخبار السيرة النبوية، تحديد المصادر الصحيحة للسيرة، وتقويم هذه المصادر. فمن المعلوم أن السيرة النبوية قد جمعت في كتب كثيرة، واهتم بها أصناف مختلفة من الباحثين والدارسين: من المفسرين والمحدِّثين، والمؤرخين والقصاص والأخباريين، وأهل الأدب والسمر... وهذه الكتب ليست في منزلة واحدة من حيث النقد والتمحيص، والمهتمون بها ليسوا كلهم من أهل الأمانة والتحري في النقل.
ولهذا قرر علماء الإسلام أن أعلى المصادر وأوثقها مطلقا هو القرآن الكريم، وقد حوى قدرا غير يسير من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه وأحواله وأحوال دعوته. ثم يليه في القوة كتب الحديث ومصادر السنة النبوية، ثم تأتي بعدهما المصادر الأخرى من كتب المغازي والسير وتاريخ الإسلام وغيرها (١) . فلابد من مراعاة هذا الترتيب. وبهذا يظهر الانحراف الكبير الذي حصل لكثير من الدارسين في العصر الحاضر في جمعهم أخبار السيرة على غير منهج، ومن غير مراعاة لمكانة المصادر ولا ترتيبها بحسب قوة منهجها. فليس من المنهج العلمي ما سار عليه كثير من المستشرقين، وكثير من المؤرخين العرب والمسلمين المعاصرين، من أخذهم أخبار السيرة النبوية من كتب السير والمغازي فقط دون القرآن الكريم وكتب الحديث والسنة النبوية. فالمنهج السديد والمسلك القويم أن يؤخذ الخبر من
(١) انظر في هذه المصادر كتاب الدكتور فاروق حمادة "مصادر السيرة النبوية وتقويمها".