ومعنى ذلك أن الناقد الفاحص لخبر من الأخبار لا تغيب عنه أصول الشريعة وأحكامها الكلية وما ثبت منها من القطعيات. فكل خبر يجب أن ينسجم مع أصول الشريعة. وكل خبر يناقض أصلا مقررا بالقطع في الشريعة يحكم عليه بالرد من غير تردد. ولهذا رد علماء الإسلام أخباراً وردت في السيرة، لما رأوها تعارض ما تقرر من عصمة النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا الأصل يوجب رد كل خبر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد لصنم، أو مدحه أو أقر باطلا أو نحو ذلك مما لا يتفق مع أصل العصمة. وعلى هذا المنهج رد المحققون خبر قصة الغرانيق. وفيه: أن الشيطان ألقى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم مدح آلهة العرب وهي اللات والعزى ومناة. ففي بعض رواياته أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في ناد من أندية قومه، كثير أهله، فتمنى يومئذ ألا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه يومئذ، فأنزل الله:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}[النجم:١] فقرأ حتى إذا بلغ إلى قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}[النجم: ١٩–٢٠] ألقى الشيطان كلمتين: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ... وقد رد النقاد هذا الخبر من جهات مختلفة، منها مناقضته لما ثبت بالقطع من أحكام الشريعة وأصول الملة. وفي هذا المعنى يقول ابن العربي المعافري في نقد الخبر: "اعلموا أنار الله أفئدتكم بنور هداه ويسر لكم مقصد التوحيد ومغزاه، أن الهدى هدى الله، فسبحان من يتفضل به على من يشاء، ويصرفه عمن يشاء... ونحن الآن نجلو بتلك الفصول الغمَّاءَ، ونرقيكم بها عن حضيض الدهماء إلى بقاع العلماء في عشرة مقامات: