يوجدَ من أمثاله المعاصرين له، مَنْ ينكر ذلك، أما من سوى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقبل ذلك عنه كائناً من كان حتى يتفق مع قوانين الكون والحياة وقواعد العادة. (١) ومعنى ذلك أن رد ما يخالف قواعد العادة من أخبار السيرة النبوية ليس على إطلاقه، وإنما هو خاص بالأخبار التي ليست في سياق دلائل النبوة. فإذا ورد خبر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خصه الله بما لا يخص به غيره من التصرفات التي هي على خلاف العادة، وثبت ذلك بالسند الصحيح عن الثقات الأثبات، فإنه يقبل دون تردد، لأن الله تعالى خص نبيه صلى الله عليه وسلم بالوحي، فكيف لا يخصه بما دون ذلك من خوارق العادات؟ أما ما سوى ذلك فقد عمل فيه النقاد بهذا المنهج. والشواهد على ذلك كثيرة منها ما تقدم في خبر بحيرى الراهب، فقد حكم قواعد العادة وسنن الحياة وقوانين الاجتماع الإنساني، يظهر ذلك من بيانه عدم اشتهار هذا الخبر مع أن دواعي العادة توجب اشتهار مثله لأنه خطير في أمره عظيم فيما يدل عليه، بل كيف يغيب هذا حتى على صاحب الخبر نفسه صلى الله عليه وسلم، فلا يذكره، ولو في حال حاجته إليه؟ ويتجلى ذلك أيضا في إنكار الذهبي أن يميل فيء الشجرة مع وجود ظل الغمامة؛ فقواعد العادة وسنن الحياة لا تؤيد ذلك.
(١) انظر "المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل" ص ١٣٣، هامش ١٤٢.