القرآن الكريم، ثم من كتب الحديث، ثم من كتب السير والمغازي، ثم من كتب التاريخ العام، ثم يتتبع في سائر الكتب التي يمكن أن تكون مظاناً للسيرة، مثل كتب الأدب ونحوها، مع تقدير كل مصدر حق قدره وإعطائه المكانة التي يستحقها، فبهذا تكتمل صورة الخبر، ويمكن المقارنة بين المصادر من جهة الزيادة والتفصيل، ومن جهة الاختلاف والتعارض إن وجد، فيلجأ إلى الترجيح. فورود الخبر مثلا في صحيح البخاري ليس كوروده في الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، فصحيح البخاري من أصح كتب الحديث وقد التزم فيه البخاري منهج التحقيق والنقد الحديثي في أعلى درجاته، فجمع الصحيح دون غيره، ولهذا وقع الاتفاق على صحة ما ورد فيه. أما كتاب الأغاني فهو من كتب الأدب، واهتم فيه صاحبه بإمتاع النفوس والأذواق فجمع فيه من الطرف والأخبار ما تغذى به مجالس اللهو ونوادي السمر. ومن كان هذا غرضه فإنه لاشك متساهل في نقد ما ينقله. ومن استحضر حال هذا الكتاب وهو ينظر فيما ورد فيه من الأخبار التاريخية، فإنه يقدر هذه الأخبار حق قدرها، ويتلقاها بمزيد من الحذر وغاية الاحتياط والتحري. ولبيان هذا الجانب في كتاب الأغاني ليعتبر به عند النظر فيه، يقول الدكتور زكي مبارك:" أريد أن أنص على ناحيتين في الأصبهاني وكتابه... وسيكون لهما أثر عظيم في دعوة المؤلفين إلى الاحتياط حين يرجعون إلى كتاب الأغاني يتلمسون الشواهد في الأدب والتاريخ".
أما الناحية الأولى التي ذكرها الدكتور زكي مبارك فهي أحوال المؤلف صاحب الكتاب أبي الفرج الأصبهاني من جهة خلقه ومنهجه في الحياة، وهذا يدخل في الاعتبار بأحوال صاحب الخبر كما سبق بيانه.