وأبو بكر حينئذ لم يبلغ العشر سنين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسنُّ من أبي بكر بأزيد من عامين، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم تسعة أعوام على ما قاله أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وغيره، واثنا عشر على ما قاله آخرون، وأيضا فإن بلالاً لم ينتقل لأبي بكر إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاماً، فإنه كان لبني خلف الجمحيين، وعندما عذب في الله على الإسلام اشتراه أبو بكر رضي الله عنه رحمة له واستنقاذاً له من أيديهم، وخبره بذلك مشهور" (١) .
فقد نظر ابن سيد الناس في الخبر مع استحضار الأخبار المتصلة به والظروف العامة المحيطة به، وهي أخبار أبي بكر وتاريخه، وبلال بن رباح وعلاقته بأبي بكر وتاريخ عتقه، فتبين له أن الخبر لا يستقيم، ولو حصر نظره في الخبر منفرداً معزولاً عن غيره ما اجتمعت له هذه الفوائد.
وتبع أبا الفتح بن سيد الناس في ذلك الإمام شمس الدين الذهبي وزاد عليه في تفصيل نقد الخبر من داخله فقال:"... وأيضا فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة، لأن ظل الغمامة يعدم في الشجرة التي نزل تحتها، ولم نر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أبا طالب قط بقول الراهب، ولا تذاكرته قريش ولا حكته الأشياخ مع توافر هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك، فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار، ولبقي عنده صلى الله عليه وسلم حس من النبوة، ولما أنكر مجيء الوحي إليه أولا بغار حراء وأتى خديجة خائفا على عقله، ولما ذهب إلى شواهق الجبال ليرمي نفسه. وأيضا فلو أثر