الحديث، عندما يظفرون برواية فيوردونها مقتصرين عليها، والحال أن ما يعارضها أكثر عدداً وأقوى درجة. من ذلك مثلا أن هناك رواية نقلها غير واحد من المؤرخين، واعتمدها كثير من الباحثين المعاصرين دون شك أو تردد، وهي أن عثمان بن عفان في خلافته نفى أبا ذر إلى الربذة لمعارضته توسع الصحابة، وبخاصة الولاة، في الأموال واقتناء متاع الدنيا. وقد بنى غير واحد من الباحثين المحدَثين من المستشرقين وغيرهم على هذه الرواية أحكاماً خطيرة منها أن عثمان قد اشتط في السلطة وقرب عشيرته وأجزل لهم العطاء، وغض الطرف عن ظلمهم واغتنائهم بسبب الولاية والسلطة، وأنه لحماية هذا الوضع كان لا يتردد في إنزال العقاب بمن يخالفه، فكان يضرب خيار الصحابة وينفيهم. انظر من ذلك قول أحدهم وهو يتحدث عن مالية الدولة في عهد عثمان:"فقد رأى فيها عثمان رضي الله عنه والولاة من أقاربه وفي مقدمتهم معاوية رضي الله عنه أن المال مال الله الموكول إليهم للتصرف فيه، كيفما شاؤوا، بينما رآه آخرون، وعلى رأسهم الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه مال المسلمين، وللمسلمين الحق في مراجعة الخليفة بشأنه ومحاسبته عليه".
ويقول أيضاً: "هذا الفهم العثماني لطبيعة السلطة هو الذي دفع عثمان رضي الله عنه إلى التخشن في معاملة كثيرين من خيار الصحابة مثل عبد الله ابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر رضي الله عنهم، فضرب بعضهم ونف
ى بعضهم الآخر." (١) وإن المنهج التاريخي في التعامل مع الروايات