للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الفائدة الثانية: فهي أن اعتبار المصادر المتنوعة وضم بعضها إلى بعض، يتم به استكمال الخبر وجمع أطرافه؛ لأن كل مصدر إنما يورد منه طرفا أو جزءا، فبعضها يكمل بعضا. وإن هذا المنهج الذي وضعه المحدثون منهج عام يصلح في النقد التاريخي عامة، وليس في الحديث والسيرة النبوية فقط. وقد عبر المؤلفون في النقد التاريخي في العصر الحاضر عن هذا المسلك بتعابير مختلفة، لكنها لا تخرج في حقيقتها عما سطره المحدثون. فقد نصوا على أن منهج النقد التاريخي يقوم أولا على استقصاء الخبر في جميع المصادر المتوافرة، ولا يجوز للناقد أن يزدري أي مصدر قد يرد به الخبر.

إن المؤرخ الذي يقف على خبر تاريخي في مصدر من المصادر أو في وثيقة، لا يكتفي بهذا الخبر من خلال مصدر واحد وإنما يجب عليه استقصاء مصادر الخبر ومظانه المتنوعة. واستقصاء مصادر الخبر "يقتضي عدم الاكتفاء بما يبين للعين أو يعثر عليه بأيسر جهد، بل يتطلب الاستقصاء البعيد والتفتيش الدقيق في كل ركن وزاوية أملا في أن ينكشف شيء جديد" (١) . فكلما عثر المؤرخ على الخبر المنظور فيه في مصدر عَبَرَ منه إلى غيره، فينظر في الخبر الواحد من خلال مصادر عديدة وشواهد متنوعة، " فلا يزدري أيا من المصادر أو يهمله؛ لأن أقلها لدى النظرة الأولى قد يغدو بعد التحقيق أكثرها خطورة، وأغناها بالمعلومات" (٢) . فهذا ما نص عليه المحدثون لما ذكروا وجوب تتبع مصادر الخبر واستقصاء أسانيده ومخارجه، وبهذا تمكن علماء الإسلام من جمع أخبار السيرة النبوية.


(١) "نحن والتاريخ" ص: ٩٧.
(٢) نفسه ص: ٧١.

<<  <   >  >>