للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشفاعة إنما تكون وتنفع أهل التوحيد، أما غيرهم فهم كما قال عز وجل: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} ١.

قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى عن الكلام عن حديث أبي هريرة السابق: "تأمل هذا الحديث كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته تجريد التوحيد، عكس ما عند المشركين أن الشفاعة تنال باتخاذهم أوليائهم شفعاء وعبادتهم وموالاتهم، فقلب النبي صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب، وأخبر أن سبب الشفاعة تجريد التوحيد، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع، ومن جهل المشرك اعتقاده أن من اتخذ وليا أو شفيعا أن يشفع له وينفعه عند الله، كما يكون خواص الولاة والملوك تنفع من والاهم، ولم يعلموا أنه لا يشفع عند أحد إلا بإذنه في الشفاعة، ولا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله"٢.

وهذا الحرص الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الشفاعة، حماية لعقيدة التوحيد من كل شرك أو ذريعة إليه، أو تشبه بأهله، إذ الشفاعة- كما سبق ذكره – كانت من أول الأسباب التي أوقعت المشركين في الشرك بالله عز وجل وذلك باتخاذهم الشفعاء، واعتقادهم أن عبادة الله تعالى لا تتم إلا عن طريقهم وبواسطتهم، فبين عليه الصلاة والسلام الطريق القويم، الموافق لتوحيد الله تعالى في هذه الشفاعة لئلا تقع أمته في شيء من ذلك،


١ الآية ٤٨ من سورة المدثر.
٢ ابن قيم الجوزية مدارج السالكين ١/٣٤١.

<<  <   >  >>