للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وإنما رجح ابن مسعود رضي الله عنه الحلف كاذبا على الحلف بغيره صادقا، لأن الحلف بالله توحيد، والحلف بغيره شرك، وإن قدر الصدق في الحلف بغير الله فحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك، ذكره شيخ الإسلام١، وفيه دليل على أن الحلف بغير الله صادقا أعظم من اليمين الغموس، وفيه دليل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، وفيه شاهد للقاعدة المشهورة وهي: ارتكاب أقل الشرين ضررا إذا كان لابد من أحدهما٢.

ومما ينبغي أن يعلم أن الحالف لو اعتقد أن ما حلف به أعظم من الله عز وجل أو مثله، فإن ذلك شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام نعوذ بالله من ذلك، وهذا هو شرك الجاهلية الأولى، الذي كانوا يعظمون معبوداتهم من دون الله ويحلفون بها، والذي يفعله بعض عباد القبور أعظم إذ يخشى أن يحلف بشيخه كذبا، ولا يخشى من الله ذلك.

فالذي يفعله عباد القبور إذا طلبت من أحدهم اليمين بالله، أعطاك ما شئت من الأيمان صادقا أو كاذبا، فإذا طلبت منه اليمين بالشيخ أو تربته أو حياته ونحو ذلك، لم يقدم على اليمين به إن كان كاذبا.


١ يريد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولعله يشير إلى ما جاء في الفتاوى ٢/٢٠٤، من قوله: "قال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر: "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا، وذلك لأن الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم من الكفر"اهـ.
٢ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب – تيسير العزيز الحميد ص ٥٩٤، ٥٩٥.

<<  <   >  >>