للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وهذا التوسل الذي ذكر فيه الخلاف فيما إذا كان الداعي يتوجه إلى ربه، متوسلا إليه بغيره مثل أن يقول أسألك بجاه فلان عندك، أو بحرمته، أو بحقه، وأما إذا توجه إلى ذلك الغير وطلب منه فهو شرك كما تحقق) ١.

ويبين الشيخ سليمان بن سحمان أنواع التوسل جملة، موضحا الفرق بينها فيقول: (والتوسل له أقسام، فقسم مشروع وهو التوسل بالأعمال الصالحة، وبدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وطلب الاستغفار منه، وبدعاء الصالحين وأهل الفضل والعلم، وكذلك بالأعمال الصالحة، وقسم محرم، وبدعة مذمومة، وهو التوسل بحق العبد وجاهه وحرمته نبيا كان ذلك، أو وليا، أو صالحا؛ لأن ذلك لم يرد به نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين.. وأما قصد هؤلاء من التوسل فهو دعاء الأنبياء، والأولياء، والصالحين، وكشف الكربات، وإغاثة اللهفات. فمن صرف شيئا من هذه الأنواع لغير الله فهو كافر مشرك بإجماع المسلمين ... ) ٢.

وبهذا يعلم أن هناك توسلا شرعيا، وتوسلا بدعيا محرما، وأن التوسل عند عبّاد القبور هو بمعنى دعاء الموتى والاستغاثة بهم. وكذلك ندرك خطأ ما ذكره هؤلاء الخصوم بأن لفظ التوسل بمعنى الاستغاثة، وكذلك بمعنى الالتجاء، وغيرها من الألفاظ التي أوردوها بقصد التمويه والتلبيس، وتزيين الشرك بأسماء ينخدع بها عامة الناس، لذا يقول أبو بطين رحمه الله:

(ولما علم الشيطان أن كل من قرأ القرآن، أو سمعه ينفر من الشرك، ومن عبادة غير الله، ألقى في قلوب الجهال أن هذا توسل، وتشفع بهم، والتجاء إليهم ونحو ذلك فسلب العبادة والشرك اسمهما من قلوبهم، وكساهما أسماء لا تنفر عنها القلوب) ٣.

ولكن تغيير الأسماء لا يغير الحقائق، فالحكم يدور مع الحقيقة وجودا وعدما، وليس مع الأسماء والألفاظ، لذا قال الشيخ ابن سحمان رحمه الله:

(فإنه من المعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها، فلا تزول هذه المفاسد بتغير أسمائها، كتسمية عبادة غير الله توسلا وتشفعا، أو تبركا وتعظيما للصالحين وتوقيرا، فإن الاعتبار بحقائق الأمور، لا بالأسماء والاصطلاحات والحكم يدور مع الحقيقة، وجودا وعدما لا مع الأسماء..) ٤.


١ نقلا عن: "الرد على شبهات المستعينين بغير الله" لأحمد بن عيسى ص٥٥.
٢ "الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية"، مطابع الرياض، ١٣٧٦ هـ، ص ٧، ٨.
٣ "الانتصار" ص ١٣.
٤ "الضياء الشارق" ص ١٨٢.

<<  <   >  >>