للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في دفعة واحدة، وإنما أخبر الله سبحانه عنهم في غيرسورة فقال في بعضها: القرءآن وقال في غير ذلك: الكتاب١ والقرءآن كلام الله بالاتفاق.

واختلف قول الأشعري أيضاً في الإعجاز، فقال في موضع: الإعجاز يتعلق بهذا النظم، وليس ذلك بكلام الله عز وجل، وإنما هو عبارة عنه، وأما صفة الله تعالى فلا يجوز أن يقال: إنّ الخلق يعجزون عنها كما لا يجوز أن يقال: يقدرون عليها. فجعل المعجز غير القرءآن، وإجماع الأمة حاصل على أنّ القرءآن هو المعجز للكافة٢ فمن زعم أنه ليس (بمعجز والمعجز) ٣ غيره كان راداً لخبر الله سبحانه، وخارقاً للإِجماع، وذلك كفر.

وقال في غير ذلك الموضع: (الإعجاز متعلق بكلام الله، وكلام الله شيء واحد لا سورة فيه ولا حرف) ٤.


١ بل قال سبحانه ذلك في سورة واحدة فقال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} سورة الاحقاف آية "٢٩، ٣٠" فبيّن سبحانه أن الكتاب هو القرآن لا غير.
٢ انظر: "ابن حزم الفصل ٣/ ١٥".
٣ في الأصل "بمعجزه والعجز" وهو تحريف.
٤ ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذه المسألة ونقله عن كتب الأشعري لم أجده في كتبه التي وقفت عليها، ولعل ذلك فيما لم يصل إلينا منها مما كتبه في سابق أحواله ورجع عنه في آخر عمره وكلاَ القولين ثابت عن الأشاعرة، والباقلاني وهو مقدمهم في عصره يصرح بأن الإعجاز يتعلق بالحروف المنظومة التي هي عبارة عن كلام الله القديم القائم بذاته تعالى عندهم، وأن التحدي واقع إلى هذه الحروف المنظومة وليس إلى الإتيان بمثل الكلام القديم الذي لا سبيل إليه، وأوضح أن هذا القول هو الذي عول عليه مشايخه. وحكى أنّ بعض أصحابه من الأشاعرة جوز القول الآخر وهو أنّ التحدي والإعجاز عائد إلى الكلام النفسي. انطر: "إعجاز القرآن ٢٦٠". وعزا هذا القول للأشعري ابن حزم في "الفصل ٣/١٥" بصيغة التمريض.
ويرى الآمدي تارة: أن المعجز هو هذه العبارات والكلمات، وتارة يرىَ أنّ المعجز هو إظهار ذلك المقروء القائم بالنفس على لسان الرسول بما خلق الله من العبارات الدالة عليه. فلا يكون كلامه - أي كلام الرسول- الدال هو المعجز، ولا المدلول. بل إظهار ذلك المدلول بكلامه عند تحديه بنبوته. انظر: غاية المرام "٣٥١" وعلى هذا الرأي: يكون قد نفى الإعجاز عن العبارة وعن المعبر عنه وأثبته لما لا يتصور، فتأمل.

<<  <   >  >>