للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق أنّ الله سبحانه فوق العرش بذاته ١ من غير


١ أجمع أهل السنة والجماعة وسلف هذه الأمة على أنّ الله عز وجل مستو على عرشه استواء يليق بجلاله من غير تكييف ولا تمثيل. نقل إجماعهم على ذلك كثير من الأئمة الأعلام، كالإمام الأوزاعي حيث يقول: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إنّ الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفات الله جل وعلا". روى ذلك عنه البيهقي في الأسماء والصفات ٤٠٨ كما تقدم.
كما نقل ذلك ابن أبي حاتم وأبو زرعة الرازي: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء من جميع الأمصار حجازًا وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ... وأنّ الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف أحاط بكل شيء علماً {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} روى ذلك اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة رقم ٣٢١.
ومنهم الإمام أبو عمر الطلمنكني إذ يقول في كتاب الوصول إلى معرفة الأصول: أجمع المسلمون من أهل السنة على أنّ معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ونحو ذلك من القرآن أنه علمه، وأنّ الله تعالى فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء" نقلاً عن العلو للذهبي ١٧٨.
ومنهم الحافظ ابن عبد البر: "ت ٤٦٣": قال بعد إيراده لحديث النزول "وفيه دليل على أنّ الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم إنّ عز وجل في كل مكان وليس على العرش، والدليل على صحة ما قاله أهل الحق قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} التمهيد ٧/ ١٢٩ وقال في الرد على استدلال أهل التأويل بقول الله عز وجل {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} قال: فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية؛ لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التآويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: "هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله". المصدر السابق ٧/ ١٣٨- ١٣٩.
فبان بهذه النقول عن هؤلاء الأئمة الفحول أنّ القول باستواء الله على عرشه حقيقة هو قول سلف هذه الأمة من التابعين وأتباعهم أهل القرون المفضلة وهم القوم. والذين حكوا الإجماع على ذلك كثير.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن نقل أقوال عدد من أهل العلم في حكاية الإجماع على استواء الله على عرشه: "وهذا باب واسع لا يحصيه إلا الله تعالى، فإن الذين نقلوا إجماع أهل السنة أو إجماع الصحابة والتابعين على أنّ الله فوق العرش بائن من خلقه لا يحصيهم إلا الله " بيان تلبيس الجهمية ٢/ ٥٣١ وهو كما قال رحمة الله.
وأما إطلاق لفظ "بذاته" فلم يعرف قبل القرن الثالث: وأول من نقل عنه إطلاقها فيما وقفت عليه ابن أبي شيبة "ت ٢٩٧". انظر: كتاب العرش له ص ٥١، ثم أطلق ذلك بعده ابن أبي زيد القيرواني "ت ٣٨٩" وأبو عمر الطلمنكي وأبو نصر السجزي – المؤلف – وابن عبد البر وغيرهم. وأومأ الإمام الذهبي إلى أنّ ذلك من فضول الكلام الذي يحسن تركه، وأنكر على السجزي نسبة ذلك للأئمة كسفيان الثوري والإمام مالك وغيرهما، والحق أنه لم يثبت عن سفيان وطبقته إطلاق ذلك "العلو: ١٧١، ١٨٠". ولعل السجزي نسبها إليهم بالمعنى وأنهم يثبتون الاستواء على الحقيقة.
والذي دعا هؤلاء إلى إطلاق لفظ "بذاته" هو أنّ الجهمية لما قالوا إنّ الاستواء مجاز صرح أهل السنة بأنه مستو بذاته مبالغة في إثبات استواء المولى عز وجل على عرشه على الحقيقة.
وذلك مثل إطلاقهم في القرآن: أنه كلام الله غير مخلوق. فإن الصحابة لم يصرحوا بلفظ "غير مخلوق" وإنما كانوا يقولون القرآن كلام الله. فلما ظهر من يقول إنه مخلوق دعا ذلك الأئمة إلى أن يصرحوا بأنه غير مخلوق وأنكر الإمام أحمد على من يقول: كلام الله ويسكت فقال ولِمَ يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ولكن حيث تكلموا لأي شيء لا يتكلمون "روى ذلك عنه أبو داود في مسائله ص ٢٦٣ – ٢٦٤" وانظر: " ابن القيم: مختصر الصواعق ٢/ ١٣٤ "، "والألباني مختصر العلو ١٨ – ١٩" ففيهما مزيد بيان.

<<  <   >  >>