٢ الأولى أن يحمل ذلك على أنهما قالا ذلك فيه بعد رجوعه إلى السنة ونصرته لها. كما سبق وأن أشرت إلى ذلك. ٣ يشير إلى ما أشيع عن ابن أبي زيد من أنه أنكر الكرامات، حيث ألف رحمه الله كتابي ((الكشف)) و ((الاستظهار)) في الرد على عبد الرحيم الصقلي ونقض كتابه في خوارق العادات. ففهم بعض المتصوفة، وكثير من أصحاب الحديث أنه ينكر كرامات الأولياء وشنعوا عليه لذلك. وألف في الرد عليه كثير من أهل الأندلس وأهل المشرق، كأبي الحسن ابن جهضم الهمداني، وأبي بكر الباقلاني، وأبي عمر الطلمنكي وغيرهم، بيد أن تأليف الباقلاني لم يكن رداً عليه أكثر منه توضيحا لقصده وشرح مراده، لذا يقول القاضي عياض ((وكان أرشدهم – يعني الذين تصدوا للرد على ابن أبي زيد، وإيضاح مراده – في ذلك وأعرفهم بغرضه ومقداره إمام وقته أبو بكر بن الخطيب اباقلاني فإنه بين مقصوده)) . ترتيب المدارك للقاضي عياض ٢/٤٩٥. بينما يرى الطلمنكي أن تلك هنة وقعت منه رحمه الله جره إليها الجدل ومناظرة الخصوم. ثم رجع عن القول بذلك. فيقول: كانت تلك من أبي محمد نادرة لها أسباب أوجبها نفي الكرامات – بل من طالع كتابه عرف مقصده. قلت: لذا نرى شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه على هذه المسألة يقول بعد أن ذكر من أنكر الكرامات من المعتزلة: ((بل يحكي هذا القول عن أبي إسحاق الاسفرائيني وأبي محمد ابن أبي زيد ولكن كأن في الحكاية عنهما غلطا)) . النبوات ص ٥. ونخلص من ذلك إلى احتمالين: الأول: أن ابن أبي زيد لم ينكر الكرامات الثابتة للصالحين وإنما أنكر ما يدعيه أهل البدع من وقوع خوارق العادات واعتبارها كرامات لهم، فلم يفهم كثير مقصوده ونسب إليه القول بإنكار الكرامات. وهذا الرأي يميل إليه الباقلاني والقاضي عياض وابن تيمية. كما سبق. الثاني: أنه وقع منه ذلك، لأسباب منها داعي المناظرة والجدال والإلزام لكنه رجع عن ذلك وهذا ماذهب إليه الطلمنكي. وعلى كلى الاحتمالين فلا يعتبر منكراً لكرامات الأولياء لأنه إما لم يكن وقع ذلك منه أصلا، أو يكون قد وقع منه ورجع عنه. والله تعالى أعلم.