للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بإجابتكم إلى ما سألتموه لما أوجبه من حقوقكم، والكرامة لكم، وذكرت لكم جملاً من الأصول مقرونة بأطراف من الحجاج تدلكم على صوابكم في ذلك١.

وخطأ أهل البدع فيما صاروا إليه من مخالفتهم وخروجهم٢ عن الحق الذي كانوا عليه قبل هذه البدع معهم، ومفارقتهم بذلك الأدلة الشرعية، وما أتى به٣ الرسول عليه السلام منها٤، ونبه عليها، وموافقتهم بذلك طرق الفلاسفة٥ والصادين عنها والجاحدين لما أتت به الرسل عليهم السلام منها.


١ يطالعنا الأشعري في مقدمته هذه المنهج الذي اتخذه طريقاً يسير فيه - بعد رجوعه عن الكلابية المعروفة اليوم بالأشعرية - يبني أسس العقيدة عليه، وهو الكتاب والسنة، وهذا أمر واضح جلي في مصنفاته التي صنفها بعد رجوعه عن الاعتزال، وتمسكه بالحق الذي هداه الله إليه، ولقد ذكر في مقدمة كتاب الإبانة أن الالتزام بالقرآن والسنة هو الحق الذي ينبغي أن لا يحيد عنه المسلم، وإلا فقد ضل وغوى، واسمع إليه وهو يقول عن القرآن الكريم: "... جمع فيه علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبله المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى، وفي الجهل تردى، وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله عليه السلام فقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (انظر: الإبانة ص٥ طبعة الجامعة الإسلامية ١٣٨٩هـ) .
والأشعري برده أصول الديانة إلى الخبر المنزل من عند الله قرآناً كان أو سنة يسير على منهج السلف - كما ذكرت سابقاً - وقد مكنه السير على هذا المنهج والتمسك به من الانتصار والغلبة على خصومه من مختلف المذاهب والطوائف.
٢ في (ت) وخرجوهم.
٣ ساقطة من (ت) .
٤ في (ت) عليه الصلاة والسلام، ويلاحظ هذا الأمر متكرراً في النسخة من أولها إلى آخرها بحذف لفظ "الصلاة" من الأصل كما الآن، وثبوته في نسخة (ت) .
٥ الفلسفة: الحكمة، وهي كلمة أعجمية. انظر: لسان العرب ١١/١٨٠.
والفلسفة كلمة يونانية، ومعناها عندهم: محبة الحكمة، والفيلسوف هو: فيلا وسوفا، وفيلا هو: المحب، وسوفا: الحكمة، أي هو محب الحكمة. (انظر: الملل والنحل للشهرستاني ٢/٦٢ مطبعة مخيمر الطبعة الثانية) .
والفلاسفة جمع لكلمة فيلسوف، وهو العالم بالفلسفة.
وقد ابتليت الأمة الإسلامية بمن سموا أنفسهم: فلاسفة المسلمين، وهم في الحقيقة طائفة خرجوا عن الحق واستبدلوا الوحي بالعقل، فضلوا وأضلوا، وقد اقتبسوا علومهم من الفلاسفة اليونانيين الوثنيين، وابن سينا نفسه وهو عميد الفلاسفة المسلمين كما يقولون، يؤكد هذا الأمر فيقول: "وكما كان المشتغلون بالعلم شديد الاعتزاز إلى المشائين من اليونانيين كرهنا شق العصا ومخالفة الجمهور" (انظر: كتاب تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ص٤٤ لمصطفى عبد الرزاق) .
ولقد ذهب إلى هذا أيضاً الدكتور "حمدي حيا الله" وهو يعطينا صورة عن مضمون كتابه: (أثر التفلسف في الفكر الإسلامي) : "... وإنما قصدت بها - أي بصفحات كتابه - عرض التحريف المنهجي الذي أصاب الفكر الإسلامي باختلاطه بالفكر اليوناني الوثني على يد المتفلسفة من المتكلمين، أو استبداله كلية بالمنهج اليوناني على يد من يطلق عليهم فلاسفة الإسلام، أو المتفلسفة من المتصوفين" (انظر: كتابه ص٧ من الطبعة الأولى ١٣٩٥هـ) .
ويقول الدكتور النشار: "ظهر الكندي والفارابي وابن سينا وأبو البركات البغدادي وابن باجة وابن طفيل وابن رشد وغيرهم، واتصل كل واحد من هؤلاء بتلك الفلسفة على الصورة التي وصلته، وكتبوا كتباً فلسفية، ولكن ما وصل إلينا عنهم لم يكن شيئاً جديداً ... كان فقط صورة مختلفة من المشائية أو الأفلاطونية الحديثة، مع محاولة غير ناجحة للتوفيق بينها وبين الفكر الإسلامي". (انظر كتابه: نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام ١/٤٩ ط ٧ - ١٩٧٧م) .

<<  <   >  >>