للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتجد القارئ منهم الحافظ للقرآن المحسن في إقامة حروفه يحلق لحيته أو يطيل مئزره، بل ويهمل الصلاة إما كلية أو مع الجماعة، إلى غير ذلك من المنكرات حتى إن أحد هؤلاء والله المستعان افتتح بآيات من القرآن الكريم حفلاً غنائياً لمرأة فاجرة، فقرأ بين يدي أغنيتها آيات من القرآن الكريم، جل كلام ربنا أن يدنسه مثل هؤلاء، وحسبي أن أقول مثل ما قال الحسن رحمه الله: متى كانت القراء مثل هذا لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء.

وقال ابن العربي واصفاً قراء زمانه بانشغلهم بإقامة حروف القرآن مع إهمال حدوده، واتخاذهم لهذا العمل صناعة مع أن القرآن إنما أنزل ليعمل به قال:" ... ولكن لما صارت هذه القراءة صناعة، رفرفوا عليها وناضلوا عنها، وأفنوا أعمارهم- من غير حاجة إليهم- فيها، فيموت أحدهم وقد أقام القرآن كما يقام القدح لفظاً، وكسر معانيه كسر الإناء، فلم يلتئم عليه منها معنى"١.

فينبغي للمسلم قبل أن يقرأ القرآن أن يتعلم كيفية الاستفادة منه حتى يتم له الانتفاع به وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في هذا قاعدة جليلة القدر عظيمة النفع وهي:"إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه"٢.

قلت: فمن طبق هذه القاعدة وسار على هذا المنهج عند تلاوته


١ العواصم من القواصم (٢/ ٤٨٦) ضمن كتاب آراء أبي بكر بن الحربي الكلامية لعمار الطالبي، وانظر ما كتبه الذهبي عن أمثال هؤلاء القراء في كتابه زغل العلم (ص ٢٥- ٢٧) ولولا خشية الإطالة لنقلته لأهميته.
٢ الفوائد (ص ٥) وانظر الفتاوى لابن تيمية (٦ ١/ ٤٨- ١ ٥) و (٧/ ٢٣٦- ٢٣٧) .

<<  <   >  >>