للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولبابها، لما شهدت عقولهم حسن هذا الدين وجلالته وكماله، وشهدت قبح ما خالفه ونقصه ورداءته خالط الاسمان به ومحبته بشاشة القلوب، فلو خير بين أن يلقى في النار وبين أن يختار ديناً غيره، لاختار أن يقذف في النار وتقطع أعضاؤه ولا يختار ديناً غيره، وهذا الضرب من الناس هم الذين استقرت أقدامهم في الإيمان، وهم أبعد الناس عن الارتداد عنه وأحقهم بالثبات عليه إلى يوم لقاء الله"١.

قلت: ويشهد لما قاله ابن القيم هنا، حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"٢.

فهذا الذي ذاق حلاوة الإيمان وخالطت بشاشته سويداء قلبه، وأضاء نوراً به، واطمأن بذلك أشد الإطمئنان، لا يكاد بعد ذلك يرجع إلى الكفر والضلال، واتباع الأهواء والظنون الكاذبة بل إنه يكون من أرسخ الناس إيماناً وأشدهم تمسكاً وثباتاً، وأقواهم تعلقاً بربه وخالقه، لأنه دخل الإسلام عن علم وقناعة ومعرفة، فعرف حسن الإسلام وبهاءه، وجودته ونقاءه، وتميزه عن غيره من الأديان، فرضيه ديناً لنفسه، وأنس به أشد الأنس، فكيف يبغي بعد ذلك غيره بدلاً، أو يطلب عنه مصرفاً، أو يروم عنه انتقالاً أو تحويلاً.

ولهذا فإن من الفوائد الجليلة المستنبطة من هذا الحديث أنه يعد


١ مفتاح دار السعادة (ص/ ٣٤٠، ٣٤١) .
٢ أخرجه البخاري (١/٦٠ فتح) ومسلم (١/ ٦٦) .

<<  <   >  >>