للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمحبة إلى الاجتماع الذي هو سبب تخليق الولد وتكوينه، وكيف قدر اجتماع ذينك الماءين مع بعد كل منهما عن صاحبه، وساقهما من أعماق العروق والأعضاء، وجمعهما في موضع واحد جعل لهما قراراً مكيناً لا يناله هواء يفسده ولا برد يجمده ولا عارض يصل إليه، ثم قلب تلك النطفة البيضاء المشربة علقة حمراء تضرب إلى سواد، ثم جعلها مضغة لحم مخالفة للعلقة في لونها وحقيقتها وشكلها، ثم جعلها عظاماً مجردة لا كسوة عليها مباينة للمضغة في شكلها وهيئتها وقدرها وملمسها ولونها، وهكذا تتدرج أطوار خلق الإنسان إلى أن يخرج بهذه الصور التي صوره الله عليها فشق له السمع والبصر والفم والأنف وسائر المنافذ ومد اليدين والرجلين وبسطهما وقسم رؤوسهما بالأصابع، ثم قسم الأصابع بالأنامل، وركب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطحال والرئة والرحم والمثانة والأمعاء كل واحد منها له قدر يخصه ومنفعة تخصه١ فسبحان الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى القائل: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} ٢.

"فجميع المخلوقات من الذرة إلى العرش سبل متصلة إلى معرفته- تعالى- وحجج بالغة على أزليته، والكون جميعه ألسن ناطقة بوحدانيته، والعالم كله كتاب يقرأ حروف أشخاصه المتبصرون على قدر


١ انظر مفتاح دار السعادة لابن القيم (ص ٢٠٥-٢٢٦) فجميع ما تقدم بدءَ من (ص ٢٠٦) منقول منه شيء من التصرف. وانظر التبيان في أقسام القرآن (ص ٢٩٥ وما بعدها) وشفاء العليل (٦٦ وما بعدها) وكلاهما لابن القيم. وانظر أيضاً العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (١/ ٢٠٩ وما بعدها) إلى أواخر المجلد الأول من قوله: باب الأمر بالتفكر في آيات الله عز وجل وقدرته وملكه وسلطانه وعظمته ووحدانيته.
٢ سورة الذاريات، الآية: ٢١.

<<  <   >  >>