للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهلها، فيشاهدهم وقد سبقوا إليها سود الوجوه زرق العيون والسلاسل والأغلال في أعناقهم فلما انتهوا إليها فتحت في وجوههم أبوابها فشاهدوا ذلك المنظر الفظيع، وقد تقطعت قلوبهم حسرة وأسفاً ... فإذا قام بقلب العبد هذا الشاهد انخلع من الذنوب والمعاصي واتباع الشهوات، ولبس ثياب الخوف والحذر ... وعلى حسب قوة هذا الشاهد يكون بعده من المعاصي والمخالفات، فيذيب هذا الشاهد من قلبه الفضلات والمواد المهلكة، وينضجها نم يخرجها، فيجد القلب لذة العافية وسرورها.

فيقوم به بعد ذلك شاهد الجنة، وما أعد الله لأهلها فيها، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فضلاً عما وصفه الله لعباده على لسان رسوله من النعيم المفصل، الكفيل بأعلى أنواع اللذة، من المطاعم والمشارب والملابس والصور، والبهجة والسرور.

فيقوم بقلبه شاهد دار قد جعل الله النعيم المقيم بحذافبره فيها، تربتها المسك، وحصباؤها الدر، وبناؤها لبن الذهب والفضة، وقصب اللؤلؤ، وشرابها أحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك، وأبرد من الكافور وألذ من الزنجبيل، ونساؤها لو برز وجه إحداهن في هذه الدنيا لغلب على ضوء الشمس، ولباسهم الحرير من السندس والإستبرق، وخدمهم ولدان كاللؤلؤ المنثور، وفاكهتهم دائمة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة، وغذاؤهم لحم طير مما يشتهون، وشرابهم عليه خمرة لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون، وخضرتهم فاكهة مما يتخيرون، وشاهدهم حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، فهم على الأرائك متكئون، وفي تلك الرياض يحبرون، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وهم

<<  <   >  >>