للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمن يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، مع أنه أخرج فيه عن غلاة الخوارج ونحوهم.

قلت: روى قول البخاري المتقدم عنه وراقه محمد بن أبي حاتم قال سمعته- أي البخاري- يقول دخلت بلخ، فسألوني أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه حديثاً، فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم.

قال: وسمعته قبل موته بشهر يقول: كتبت عن ألف وثمانين رجلاً ليس فيهم إلا صاحب حديث، كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص١.

قلت: وهذا الذي سماه الكوثري: "تبجحاً"يعد في معيار العدل والإنصاف ميزة ومنقبة لكتاب البخاري الصحيح؛ لأن عدم الرواية عن مثل هؤلاء وإن كانوا حفاظاً فيه إخماد لبدعتهم وإطفاء لنارها.

قال بن دقيق العيد: "إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه إخماداً لبدعته وإطفاءاً لناره، وإن لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء ناره"٢.

إذن فماذا يضير البخاري رحمه الله إن ترك الرواية عن مثل هؤلاء وتمدح بفعله هذا ليكون في عمله هذا إخماداً لهذه البدعة وعدم نشر لها ولاسيما وأن تخريج البخاري لأي راو في صحيحه مقتض لعدالته عنده، فإن ترك البخاري رحمه الله الرواية عن مثل هؤلاء- على بحث عند أهل


١ سير أعلام النبلاء (١٢/ ٣٩٥) .
٢ التنكيل (١/٤٩) .

<<  <   >  >>