للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"فأكمل الله الدين بإيجابه لما أوجبه من الواجبات التي آخرها الحج، وتحريمه للمحرمات المذكورة في هذه الآية، هذا من جهة شرعه، ومن جهة الفعل الذي هو تقويته وإعانته ونصره، يئس الذين كفروا من ديننا، وحج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الإسلام، فلما أكملوا الدين قال عقب ذلك: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} إلى قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ١ فكان إحلاله الطيبات يوم أكمل الدين، فأكمله تحريماً وتحليلاً لمَّا أكملوه امتثالاً"٢.

وظاهر كلام شيخ الإسلام يدل على أنه يرى أن الآية دليل على تفاضل الإيمان في قلوب المؤمنين، يظهر هذا من قوله:"فلما أكملوا الدين"وقوله:"لما أكملوه امتثالاً"، والإكمال كما هو معلوم لا يكون إلا عن نقص، والنقص يقتضي قبول الزيادة.

وقال في شرحه للعقيدة الأصفهانية:"إن الإيمان الذي أوجبه الله تعالى يزيد شيئاً فشيئاً كما إن القرآن كان ينزل شيئاً فشيئاً، والدين يظهر شيئاً فشيئاً حتى أنزل الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... } ٣.

فالآية ظاهرة الدلالة على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضل أهله فيه، وقد اعترض على استدلال البخاري المتقدم بهذه الآية بأنه يلزم منه أن من مات من الصحابة قبل نزول الآية كان إيمانه ناقصاً.


١ سورة المائدة، الآية: ٣.
٢ الفتاوى (٢٠/١٥٢،١٥٣) وانظر مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (٣/٣٤٢) .
٣ شرح العقيدة الأصفهانية (ص ١٣٩) .

<<  <   >  >>