للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمراد بهذا الحديث نفي كمال الإيمان الواجب عمن اقترف هذه المعاصي وأنه"لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله ومختاره، كما يقال لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة، ومما يدل على هذا التأويل حديث أبي ذر وغيره:"من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" ١، وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور أنهم بايعوه صلى الله عليه وسلم على ألا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا، إلى آخره، ثم قال:"فمن وفى فأجره على الله ومن فعل شيئاً من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارته، ومن فعل ولم يعاقب فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه" ٢.

فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح مع قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ٣، مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم مؤمنون ناقصوا الإيمان إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شاء الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولاً، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة"٤.


١ رواه البخاري (١٠/٢٨٣ فتح) ومسلم (١/٩٥) .
٢ رواه البخاري (١/ ٦٤ فتح) ومسلم (٣/١٣٣٣) .
٣ سورة النساء، الآيتان: ٤٨، ١١٦.
٤ شرح مسلم للنووي (٢/٤١) بتصرف يسير، وانظر شعب الإيمان للبيهقي (١/١٧٩) ومنهاج السنة لابن تيمية (٥/٢٩٧) والفتاوى (١١/٦٥٣، ٦٥٤) ، ومجموعة الرسائل والمسائل (٣/ ٣٤٢) ، والرد على الأخنائي (ص ٣١٦) .

<<  <   >  >>