عوف بن محلم: [من السريع]
إنَّ الثَّمانينَ وبُلِّغْتَها ... قد أحْوَجَتْ سَمعي إلى تَرْجُمانْ.
فقوله: وبُلِّغْتُها حشو مُسْتَغنى عنه في نظم الكلام ولكنه حسن في مكانه وأوقع في المعنى المقصود. وكان بن عبّاد يسمِّي هذا الحشو: حشو اللوزينج لأن حشو اللوزينج خير من خُبْزَتِهِ. ومن هذا الضَّرب قول طَرَفَة:
فَسَقى دِيارَكَ غَيرَ مُفْسِدِها ... صوبُ الرَّبيعِ وديمَةٌ تَهْمي.
فقوله: غير مفسدها حشو ولكن ما لحسنه نهاية. ومن ذلك قول عديّ: [من الوافر]
فَلَو كنتَ الأسيرَ ولا تَكُنْهُ ... إذن عَلِمَتْ مَعَدٌّ ما أقولُ.
فقوله: ولاتكُنهُ حشو لا يخفى حسنه وبراعته. ومن ذلك قول البحتري: [من الكامل]
إنَّ السَّحابَ أخاكَ جادَ بِمِثلِ ما ... جادَتْ يَداكَ لو أنَّهُ لَمْ يَضْرُرِ.
فقوله: أخاكَ حشو ولكن ما لِحُسنه غاية. ومن ذلك قول ابن المعتز: [من الخفيف]
إنْ يحيي لا زال يحيا صديقي ... وخَليلي من دونِ هذي الأنامِ.
فقوله: لا زال يحيا حشو يُربى على حشو اللوزينج ومن ذلك قول أبي الطِّيب المتنبي: [من الطويل]
ويَحْتَقِرُ الدُّنيا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ ... يَرى كلَّ ما فيها وحاشاه فانِيا
فقوله: وحاشاه حشوٌ يجمع الحُسن والطّيب.
دومن ذلك قول ابن عبّاد: [من السريع]
قُلْ لأبي القاسم إن جِئْتَهُ ... هُنِّيت ما أُعْطِيتَ هُنِّيتَهُ.
كلُّ جَمالٍ فائق رَائقٍ ... أنتَ بِرَغْمِ البَدْرِ أوتيتَهُ.
فقوله: برغم البدْرِ حشو يقطر منه ماء الظَّرفِ. ومن ذلك قول أبي محمد الخازن الأصبهانيّ رحمه الله للصّاحب: [من الوافر]
فَإيهِ طَرْبَةً للعفوِ إنَّ ... الكريم وأنتَ مَعْناهُ طَروبُ.
فقوله: وأنت مَعناه حشو يَعجِزُ الوصفُ عن حُسنه وحلاوته. وكان ابن عباد يقول: إذا سمع قول يحيى بن أكثم للمأمون وقد سأله عن شيء: "لا وأيَّدَ الله أميرَ المؤمنين" هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ في خدود المرد الملاح.