للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعر وفي القرآن: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ١ أي هنَّ مثلهن في التحريم وليس المراد أنهنَّ والدات إذ جاء في آيةٍ أخرى: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} ٢ فنفى أن تكون الأم غير الوالدة.

[الفصل السادس والخمسون: في إضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل على الحقيقة.]

من سنن العرب أن تعرب عن الجماد بفعل الإنسان كما قال الراجز:

امتَلَأ الحَوضُ وقال قَطْني.

وليس هناك قول وكما قال الشّماخ: [من الطويل]

كأني كسوتُ الرَّحلَ أحْقَبَ٣ سَهْوَقا ... أطاع لهُ مِنْ رامَتَينِ حَديقُ٤.

فجعل الحديق مطيعا لهذا العير لما تمكن من رعيه والحديق لا طاعة له ولا معصية وفي كتاب الله عز وجل: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} ٥ ولا إرادة للجدار ولكنه من توسع العرب في المجاز والاستعارة قال الصُّوليّ: ما رأيت أحداً أشَدَّ بَذَخا بالكفر من أبي فراس ولا أكثر إظهارا له منه ولا أدوم تعبثا بالقرآن قال يوما ونحن في دار الوزير أبي العباس أحمد بن الحسين ننتظر مجيئه: هل تعرف للعرب إرادة لغير مميز؟ فقلت: إن العرب تعبر عن الجمادات بقول ولا قول لها كما قال الشاعر:

امتلأ الحوضُ وقال قَطْني.

وليس ثمَّ قول قال: لم أرد هذا وإنما أريد في اللغة إرادة لغير مميز وإنما عرّض بقوله عزّ وجل: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} ٦ فأيَّدني الله عزَّ وجلَّ بأن تذكرت قول الراعي: [من الكامل]

في مَهْمَهٍ فُلِقَتْ بهِ هاماتُها ... فَلْقَ الفُؤوسِ إذا أرَدْنَ نصولا.

فكأني ألقمته الحجر وسُرَّ بذلك من كان صحيح النيَّة وسود الله وجه أبي فراس. والعرب تسمي التهيؤ للفعل والاحتياج إليه إرادة. قال أبو محمد اليزيدي: كنت والكسائي


١ سورة الأحزاب الآية: ٦.
٢ سورة المجادلة الآية: ٢.
٣ أحقب: حمار الوحش.
٤ حديق: ما أعشب والتف من الرياض.
٥ سورة الكهف الآية: ٧٧.
٦ سورة الكهف الآية: ٧٧.

<<  <   >  >>