للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والتبديل فيهما لما تجرد نقلتهم من العدالة والضبط، وانقطع سندهم إليهما من عصور تالية لنزولهما، بل يستطيع المسلم أن يجزم بأنهما مخالفان لأصلهما الذين نزلا عليه كما قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:٧٩] (١) .

فالكتابة حينئذ وسيلة من الوسائل لحفظ العلم ولا يعني أن العلم إذا كتب يكون حجة بها، وأن صيانة الحجة متوقفة عليها، ألا ترى إلى كتاب الله جل وعلا وهو حجة الله على خلقه قد نزله على نبيه صلى الله عليه وسلم منجماً يتنزل به الروح الأمين عليه، وهو عليه الصلاة والسلام معصوم بعصمة الله، فقامت به الحجة، ولم يحتج أن يتنزل به على النبي صلى الله عليه وسلم مكتوباً ليكون أبلغ في الحجة على الأمة إذ هو نبي أمي لا يقرأ ولا يكتب، فأتاهم بما يعجزهم ولو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله.

وشريعة الدين العظمى وهي الصلاة لا يمكن لأحد أن يهتدي إلى كيفيتها من القرآن وحده، بل لا بد من بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت أنه أمر بكتابة كيفيتها التي شرحها بقوله وفعله، ولو كانت الكتابة من لوازم الحجية لما جاز أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الخطير.

وخلاصة الأمر أن الكتابة لا تلزم بها الحجة وحدها، بل الأصل ما تقدم تقريره من حال النقل والنقلة (٢) .


(١) انظر مجموع الفتاوى ١٧/٤٣٥.
(٢) انظر الفصول الماتعة التي سطرها العلامة د. عبد الغني عبد الخالق رحمه الله في كتابة حجية السنة: ٣٩٨ ـ ٤٨٤.

<<  <   >  >>