للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تظاهر الأدلة أسكن للقلوب، وكأنه قال أنا مصدق، ولكن للعيان لطيف معنى. وقال عياض: لم يشك إبراهيم بأن الله يحيي الموتى، ولكن أراد طمأنينة القلب وترك المنازعة لمشاهدة الإحياء فحصل له العلم الأول بوقوعه، وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته، ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين وإن لم يكن في الأول شك لأن العلوم قد تتفاوت في قوتها فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين والله أعلم. " (١). وأما ما قيل عن شك لوط عليه السلام في قدرة الله عز وجل؛ فقال ابن حجر رحمه الله مفنداً ذلك: "قوله: (يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد) (٢) أي إلى الله سبحانه وتعالى، ويشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ويقال إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه لأنهم من سدوم وهي من الشام وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق، فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط، فبعث الله لوطا إلى أهل سدوم فقال: لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت أستنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني" (٣). قال رحمه الله: " وله: (ولو لبثت في السجن طول ما لبث، يوسف لأجبت الداعي) (٤) أي أسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما قدمت طلب البراءة، فوصفه بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج وإنما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعا، والتواضع لا يحط مرتبة الكبير بل يزيده رفعة وجلالا، وقيل هو من جنس قوله لا تفضلوني على يونس وقد قيل إنه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع ". (٥)


(١) فتح الباري، ابن حجر، (٦/ ٤٩٨ - ٥٠٠).
(٢) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب ولوطا إذ قال لقومه، حديث رقم (٣٣٣٧٥).
(٣) فتح الباري، ابن حجر، (٦/ ٥٠٣ - ٥٠٤).
(٤) رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب ونبئهم عن ضيف إبراهيم، برقم (٣٣٧٢) ورواه مسلم في كتاب الفضائل في باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام، حديث رقم (٢٣٦٩).
(٥) فتح الباري، ابن حجر (٦/ ٥٠٠).

<<  <   >  >>