للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا الزعم الباطل، فقال: ليس هذا قول أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا قاله أحد من الأنبياء والمرسلين، ولا هو قول المتكلمين، ولا غالبهم، بل هذا قول محدث في الإسلام، ابتدعه متكلمو المعتزلة، ونحوهم من المتكلمين الذين اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمهم، وقد نازعهم في ذلك طوائف من المتكلمين من المرجئة، والشيعة، وغيرهم، وقالوا: بل الإقرار بالصانع فطري ضروري بديهي، لا يجب أن يتوقف على النظر والاستدلال؛ بل قد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن معرفة الله، والإقرار به لا يقف على هذه الطرق التي يذكرها أهل النظر" (١)، فالمعتزلة ومن وافقهم يرون أن أول واجب على المكلف هو النظر المؤدي للمعرفة ولذلك قالوا بوجوب الشك بينما أول واجب عند السلف هو التوحيد لأن الله تعالى أمر به، فالمعرفة تؤدي إلى التوحيد، وقد فطر الله تعالى الناس على معرفته، ونص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ عندما بعثه إلى اليمن، فقال: (وليكن أول ما تدعوهم له أن يوحدوا الله) وفي رواية: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم) (٢). (٣)


(١) نقض تأسيس الجهمية، شيخ الإسلام ابن تيمية، (٥/ ٤٧٣)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية، تحقيق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة الأولى، ١٣٩٨ هـ (٦/ ٣٥٠)، العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها والدفاع عنها حتى نهاية العصر الأموي، عطا الله بخيت حماد المعايطة، دار الآفاق الفكرية، الطبعة الأولى، ١٤٢٢ هـ، مصر (١٣).
(٢) البخاري، كِتَاب التَّوْحِيدِ، بَاب مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ، حديث رقم (٦٨٤٨) ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، حديث رقم (١٦).
(٣) يرى الماتريدية أن معرفة الله لا تتم بالمعرفة الضرورية الفطرية بل لا تكون إلا بالاكتساب العقلي فلذا كان من الأصول التي تنبني عليها عقيدتهم (وجوب معرفة الله بالعقل) ورتبوا على ذلك إيجاب النظر والاستدلال وجعلوه أول واجب على العبد. واختلفت الأشاعرة عباراتهم في أول واجب على المكلف بعد أن اتفقوا على أن الأمر بعبادته ليس أول واجب. فحكى الأشاعرة عن الأشعري القول بأن أول واجب على المكلف هو المعرفة. والمعرفة عندهم معناها معرفة وجود الله وتفرده بخلق العالم. وعند الباقلاني أول واجب: النظر فقال: أول ما فرض الله عز وجل على جميع العباد النظر في آياته. والثاني من فرائض الله عز وجل على جميع العباد الإيمان به والإقرار بكتبه ورسله، والمراد بالنظر عندهم: ترتيب أمرين معلومين ليتوصل بترتيبهما على علم مجهول. (مجموع الفتاوى، (٢/ ٣٧٠٣٨)، درء تعارض العقل والنقل، (٨/ ٨).

<<  <   >  >>