صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عن محمد وأصحابه وإخراج أهل المسجد الحرام حين أخرجوا منه محمدا أكبر من القتل عند الله وقد روي عن ابن عباس هذا المعنى من رواية العوفي عنه ومن رواية أبي سعد البقال عن عكرمة عنه ومن رواية الكلبي عن أبي صالح عنه وذكر ابن اسحاق أن ذلك كان في آخر يوم من رجب وأنهم خافوا إن أخروا القتال أن يسبقهم المشركون فيدخلوا الحرم فيأمنوا وإنهم لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم:"ما أمرتكم في الشهر الحرم ولم يأخذ من غنيمتهم شيئا" وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام فقال من بمكة من المسلمين: إنما قتلوهم في شعبان فلما أكثر الناس في ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}[البقرة: ٢١٧] الآية وروي نحو هذا السياق عن عروة والزهري وغيرهما وقيل بأنها كانت أول غنيمة غنمها المسلمون وقال عبد الله بن جحش في ذلك وقيل: إنها لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
تعدون قتلا في الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صددوكم عما يقول محمد ... وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله ... لئلا يرى لله في البيت ساجد
وقد اختلف العلماء في حكم القتال في الأشهر الحرم هل تحريمه باق أو نسخ فالجمهور: على أنه نسخ تحريمه ونص على نسخه الإمام أحمد وغيره من الأئمة وذهبت طائفة من السلف: منهم عطاء: إلى بقاء تحريمه ورجحه بعض المتأخرين واستدلوا بآية المائدة والمائدة من آخر ما نزل من القرآن وقد روي: "أحلوا حلالها وحرموا حرامها" وقيل ليس فيها منسوخ وفي المسند: أن عائشة رضي الله عنه قالت: هي آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها حرام فحرموه وروى الإمام أحمد في مسنده حدثنا اسحاق بن عيسى حدثنا ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ويغزو فإذا حضره أقام حتى ينسلخ وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف في شوال فلما دخل ذو القعدة لم يقاتل بل صابرهم ثم رجع وكذلك في عمرة الحديبية لم يقاتل حتى بلغه أن عثمان قتل فبايع على القتال ثم لما بلغه أن ذلك لا حقيقة له كف واستدل الجمهور بأن الصحابة اشتغلوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم بفتح البلاد ومواصلة القتال والجهاد.