وكان النبي صلى الله عليه وسلم: يتوسط في إعطاء نفسه حقها ويعدل فيها غاية العدل فيصوم ويفطر ويقوم وينام وينكح النساء ويأكل ما يجد من الطيبات كالحلواء والعسل ولحم الدجاج وتارة يجوع يربط على بطنه الحجر وقال: " عرض علي ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يا رب ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك" فاختار لنفسه أفضل الأحوال ليجمع بين مقامي الشكر والصبر والرضا.
ومنها ما أشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو:"ولعله أن يطول بك حياة" يعني: أن من تكلف الإجتهاد في العبادة فقد تحمله قوة الشباب ما دامت باقية فإذا ذهب الشباب وجاء المشيب والكبر عجز عن حمل ذلك فإن صابره وجاهد واستمر فربما هلك بدنه وإن قطع فقد فاته أحب الأعمال إلى الله تعالى وهو المداومة على العمل ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكلفوا من العمل ما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا" وقال صلى الله عليه وسلم: " أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" فمن عمل عملا يقوى عليه بدنه في طول عمره في قوته وضعفه استقام سيره ومن حمل ما لا يطيق فإنه قد يحدث له مرض يمنعه من العمل بالكلية وقد يسأم ويضجر فيقطع العمل فيصير كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
وأما صيام النبي صلى الله عليه وسلم من الأيام أعني أيام الأسبوع فكان يتحرى صيام الاثنين والخميس وكذا روي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الإثنين والخميس خرجه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه وخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الإثنين والخميس فقيل له: يا رسول الله إنك تصوم الإثنين والخميس؟ فقال:"إن يوم الإثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين فيقول: دعوهما حتى يصطلحا" وخرجه الإمام أحمد وعنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم الإثنين والخميس فقيل له؟: قال: "إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس فيغفر لكل مسلم أو لكل مؤمن إلا المتهاجرين فيقول: أخرهما" وخرجه الترمذي ولفظه قال: "تعرض الأعمال يوم الإثنين ويوم الخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" وروي موقوفا على أبي هريرة ورجح بعضهم وقفه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا:"تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء يقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا" ويروى بإسناد فيه ضعف عن أبي أمامة.