للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام بالصيام وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته كما أن دم الشهيد يجيء يوم القيامة يثغب دما لونه لون الدم وريحه ريح المسك وبهذا استدل من كره السواك للصائم أو لم يستحبه من العلماء وأول من علمناه استدل بذلك عطاء بن أبي رباح وروي عن أبي هريرة: أنه استدل به لكن من وجه لا يثبت وفي المسألة خلاف مشهور بين العلماء وإنما كرهه من كرهه في آخر نهار الصوم لأنه وقت خلو المعدة وتصاعد الأبخرة وهل وقت الكراهة بصلاة العصر؟ أو بزوال الشمس؟ أو بفعل صلاة الظهر في أول وقتها؟ على أقوال ثلاثة: والثالث: هو المنصوص عن أحمد.

وفي طيب ريح خلوف الصائم عند الله عز وجل معنيان:

أحدهما: أن الصيام لما كان سرا بين العبد وبين ربه في الدنيا أظهره الله في الآخرة علانية للخلق ليشتهر بذلك أهل الصيام ويعرفون بصيامهم بين الناس جزاء لإخفائهم صيامهم في الدنيا وروى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناد فيه ضعف عن أنس مرفوعا: "يخرج الصائمون من قبورهم يعرفون بريح أفواههم أفواههم أطيب من ريح المسك".

قال مكحول: يروح أهل الجنة برائحة فيقولون: ربنا ما وجدنا ريحا منذ دخلنا الجنة أطيب من هذه الريح فيقال: هذه رائحة أفواه الصوام وقد تفوح رائحة الصيام في الدنيا وتستنشق قبل الآخرة وهو نوعان:

أحدهما: ما يدرك بالحواس الظاهرة كان عبد الله بن غالب من العباد المجتهدين في الصلاة والصيام فلما دفن كان يفوح من تراب قبره رائحة المسك فرؤي في المنام فسئل عن تلك الرائحة التي توجد من قبره فقال: تلك رائحة التلاوة والظمأ.

والنوع الثاني: ما تستنشقه الأرواح والقلوب فيوجب ذلك للصائمين المخلصين المودة والمحبة في قلوب المؤمنين وحديث الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن زكريا عليه السلام قال لبني إسرائيل: آمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم تعجبه ريحه وأن ريح الصيام أطيب عند الله من ريح المسك" خرجه الترمذي وغيره.

لما كان أمر المخلصين بصيامهم لمولاهم سرا بينه وبينهم أظهر الله سرهم لعباده فصار علانية فصار هذا التجلي والإظهار جزاء لذلك الصون والإسرار في

<<  <   >  >>