الأنصار لأنه ظن أنهم لم يبايعوه إلا على نصرته على من قصده في ديارهم فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد ـ يعني الأنصار ـ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا وقال له المقداد: لا نقول لك كما قال بني إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَا عِدُونَ}[المائدة: ٢٤] ولكن نقاتل عن يمينك وشمالك وبين يديك ومن خلفك فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأجمع على القتال وبات تلك الليلة ليلة الجمعة سابع عشر رمضان قائما يصلي ويبكي ويدعو الله ويستنصره على أعدائه.
وفي المسند عن علي بن أبي طالب قال: لقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح وفيه عنه أيضا قال: أصابنا طش من مطر يعني ليلة بدر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل بها من المطر وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول: "إن تهلك هذه الفئة لا تعبد" فلما طلع الفجر نادى الصلاة عباد الله فجاء الناس من تحت الشجر والحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث على القتال وأمد الله تعالى نبيه ولمؤمنين بنصر من عنده وبجند من جنده كما قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[الأنفال: ٩, ١٠] وفي صحيح البخاري: أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال:"من أفضل المسلمين" أو كلمة نحوها قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}[آل عمران: ١٢٣] وقال: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}[الأنفال: ١٧] وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رآهم قال: " اللهم إن هؤلاء قريش قد جاءت بخيلائها يكذبون رسولك فأنجز لي ما وعدتني" فأتاه جبريل فقال: خذ قبضة من تراب فارمهم بها فأخذ قبضة من حصباء الوادي فرمى بها نحوهم وقال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه ومنخره وفمه شيء ثم كانت الهزيمة وقال حكيم بن حزام: سمعنا يوم بدر صوتا وقع من السماء كأنه صوت حصاة على طست فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية فانهزمنا ولما قدم الخبر على أهل مكة قالوا لمن أتاهم بالخبر: كيف حال الناس قال: لا شيء والله إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلونا ويأسرونا كيف شاؤا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا على خيل بلق بين السماء والأرض ما يقوم لها شيء.