وقتل الله صناديد كفار قريش يومئذ منهم عتبة بن ربيعة وشيبة والوليد بن عتبة وأبو جهل وأسروا منهم سبعين وقصة بدر يطول استقصاؤها وهي مشهورة في التفسير وكتب الصحاح والسنن والمسانيد والمغازي والتواريخ وغيرها وإنما المقصود ههنا التنبيه على بعض مقاصدها وكان عدو الله إبليس قد جاء إلى المشركين في صورة سراقة بن مالك وكانت يده في يد الحارث بن هشام وجعل يشجعهم ويعدهم ويمنيهم فلما رأى الملائكة هرب وألقى نفسه في البحر وقد أخبر الله عن ذلك بقوله تعالى:{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:٤٨] وفي الموطأ حديث مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما رؤي الشيطان أحقر ولا أدحر ولا أصغر من يوم عرفة إلا ما رأى يوم بدر قيل: ما رأى يوم بدر؟ قال: رأى جبريل يزع الملائكة".
فإبليس عدو الله يسعى في إطفاء نور الله وتوحيده ويغري بذلك أولياءه من الكفار والمنافقين فلما عجز عن ذلك بنصر الله نبيه وإظهار دينه على الدين كله رضي بإلقاء الفتن بين المسلمين واجتزى منهم بمحقرات الذنوب حيث عجز عن ردهم عن دينهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم" خرجه مسلم من حديث جابر وخرج الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن الأحوص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: "ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى بها" وفي صحيح الحاكم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال: "إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم ولكنه يرضى أن يطاع فيما سوى ذلك فيما تحاقرون من أعمالكم فيرضى بها فاحذروا يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم" ولم يعظم على إبليس شيء أكبر من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وانتشار دعوته في مشارق الأرض ومغاربها فإنه أيس أن تعود أمته كلهم إلى الشرك الأكبر قال سعيد بن جبير: لما رأى إبليس النبي صلى الله عليه وسلم قائما بمكة يصلي رن ولما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة رن رنة أخرى اجتمعت إليه ذريته فقال: "آيسوا أن تردوا أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الشرك بعد يومكم هذا ولكن افتنوهم في دينهم وافشوا فيهم النوح والشعر" خرجه ابن أبي