وتطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئا قال الله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف: ٢٦] .
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى ... تقلب عريانا وإن كان كاسيا
لا يصلح لمناجاة الملك في الخلوات إلا من زين ظاهره وباطنه وطهرهما خصوصا لملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى وهو لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهره باللباس وباطنه بلباس التقوى أنشد الشبلي:
فقر وصبرهما ثوبان تحتهما ... قلب يرى ألفه الأعياد والجمعا
أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به ... يوم التزاور فبالثوب الذي خلعا
الدهر لي مأتم إن غبت يا أملي ... والعيد ما كنت لي مرأى ومستمتعا
ومنها: الإعتكاف: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العشر التي يطلب فيها ليلة القدر قطعا لإشغاله وتفريغا للياليه وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه وكان يحتجر حصيرا يتخلى فيها عن الناس فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس حتى ولا لتعلم علم وإقراء قرآن بل الأفضل له الإنفراد بنفسه والتخلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه وهذا الإعتكاف هو الخلوة الشرعية وإنما يكون في المساجد لئلا يترك به الجمع والجماعات فإن الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهي عنها سئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعة قال: هو في النار فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الإعتكاف في المساجد خصوصا في شهر رمضان خصوصا في العشر الأواخر منه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه كما كان داود الطائي يقول في ليله: