قال:"من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وللنسائي في رواية: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وقد سبق في قيام ليلة القدر مثل ذلك من رواية عبادة بن الصامت والتكفير بصيامه قد ورد مشروطا بالتحفظ مما ينبغي أن يتحفظ منه ففي المسند وصحيح ابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان فعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ذلك ما قبله" والجمهور على أن ذلك إنما يكفر الصغائر ويدل عليه ما خرجه مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" وفي تأويله قولان:
أحدهما: أن تكفير هذه الأعمال مشروط باجتناب الكبائر فمن لم يجتنب الكبائر لم تكفر له الأعمال كبيرة ولا صغيرة.
والثاني: أن المراد أن هذه الفرائض تكفر الصغائر خاصة بكل حال وسواء اجتنبت الكبائر أو لم تجتنب وأنها لا تكفر الكبائر بحال وقد قال ابن المنذر في قيام ليلة القدر: إنه يرجى به مغفرة الذنوب كبائرها وصغائرها وقال غيره مثل ذلك في الصوم أيضا والجمهور على: أن الكبائر لا بد لها من توبة نصوح وهذه المسائل قد ذكرناها مستوفاة في مواضع أخر فدل حديث أبي هريرة رضي الله عنه على: أن هذه الأسباب الثلاثة كل واحد منها مكفر لما سلف من الذنوب وهي: صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر.
فقيام ليلة القدر بمجرده يكفر الذنوب لمن وقعت له كما في حديث عبادة بن الصامت وقد سبق ذكره وسواء كانت أول العشر أو أوسطه أو آخره وسواء شعر بها أو لم يشعر ولا يتأخر تكفير الذنوب بها إلى انقضاء الشهر وأما صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه فيترتب له على ذلك مغفرة ما تقد من ذنبه بتمام السببين وهما صيامه وقيامه وقد يقال: إنه يغفر لهم عند استكمال القيام في آخر ليلة من رمضان بقيام رمضان قبل تمام نهارها وتتأخر المغفرة بالصيام إلى إكمال النهار بالصوم فيغفر لهم بالصوم في ليلة الفطر ويدل على ذلك ما خرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم يعطها أمة غيرهم خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله كل يوم