طريق مكة ليله أجمع في محمله يومىء إيماء ويأمر حاديه أن يرفع صوته خلفه حتى يشغل عنه بسماع صوت الحادي فلا يتفطن له وكان المغيرة بن الحكيم الصنعاني يحج من اليمن ماشيا وكان له ورد بالليل يقرأ فيه كل ليلة ثلث القرآن فيقف فيصلي حتى يفرغ من ورده ثم يلحق بالركب متى لحق فربما لم يلحقهم إلا في آخر النهار سلام الله على تلك الأرواح رحمة الله على تلك الأشباح ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل:
نزلوا بمكة في قبائل هاشم ... ونزلت بالبيداء أبعد منزل
فنحن ما نأمر إلا بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها ولو بالجمع بين الصلاتين المجموعتين في وقت إحداهما بالأرض فإنه لا يرخص لأحد أن يصلي صلاة الليل في النهار ولا صلاة النهار في الليل ولا أن يصلي على ظهر راحلته المكتوبة إلا من خاف الإنقطاع عن رفقته أو نحو ذلك مما يخاف على نفسه فأما المريض ومن كان في ماء وطين ففي صلاته على الراحلة اختلاف مشهور للعلماء وفيه روايتان عن الإمام أحمد وأن يكون بالطهارة الشرعية بالوضوء بالماء مع القدرة عليه والتيمم عند العجز حسا أو شرعا ومتى علم الله من عبد حرصه على إقام الصلاة على وجهها أعانه.
قال بعض العلماء: كنت في طريق الحج وكان الأمير يقف للناس كل يوم لصلاة الفجر فينزل فنصلي ثم نركب فلما كان ذات يوم قرب طلوع الشمس ولم يقفوا للناس فناديتهم فلم يلتفتوا إلى ذلك فتوضأت على المحمل ثم نزلت للصلاة على الأرض ووطنت نفسي على المشي إلى وقت نزولهم للضحى وكانوا لا ينزلون إلى قريب وقت الظهر مع علمي بمشقة ذلك علي وإني لا قدرة لي عليه فلما صليت وقضيت صلاتي نظرت إلى رفقتي فإذا هم وقوف وقد كانوا لو سئلوا ذلك لم يفعلوه فسألتهم عن سبب وقوفهم؟ فقالوا: لما نزلت تعرقلت مقاود الجمال بعضها في بعض فنحن في تخليصها إلى الآن قال: فجئت وركبت وحمدت الله عز وجل وعلمت أنه ما قدم أحد حق الله على هوى نفسه وراحتها إلا رأى سعادة الدنيا والآخرة ولا عكس أحد ذلك فقدم حظ نفسه على حق ربه إلا ورأى الشقاوة في الدنيا والآخرة واستشهد بقول القائل: