فنفسك لم ولا تلم المطايا ... ومت كمدا فليس لك اعتذار
إن كنت تطمع في العتق فاشتر نفسك من الله {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: ١١١] من كرمت عليه نفسه هان عليه كل ما يبذل في افتكاكها من النار.
اشترى بعض السلف نفسه من الله ثلاث مرار أو أربعا يتصدق كل مرة بوزن نفسه فضة واشترى عامر بن عبد الله بن الزبير نفسه من الله بدية ست مرات تصدق بها واشترى حبيب نفسه من الله بأربعين ألف درهم تصدق بها وكان أبو هريرة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة بقدر ديته يفتك بذلك نفسه.
بدم الحبيب يباع وصلهم ... فمن الذي يبتاع في الثمن
من عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل ويحك قد رضينا منك في فكاك نفسك بالندم وقنعنا منك في ثمنها بالتوبة والحزن وفي هذا الموسم قد رخص السعر من ملك سمعه وبصره ولسانه غفر له مد إليه يد الإعتذار وقم على بابه بالذل والإنكسار وارفع قصة ندمك مرقومة على صحيفة خدك بمداد الدموع والغزار وقل:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣] قال يحيى بن معاذ: العبد يوحش ما بينه وبين سيده بالمخالفات ولا يفارق بابه بحال لعلمه بأن عز العبد في ظل مواليهم وأنشأ يقول:
قرة عيني لا بد لي منك وإن ... أوحش بيني وبينك الزلل
قرة عيني أنا الغريق فخذ ... كف غريق عليك يتكل
كانت أحوال الصادقين في الموقف بعرفة تتنوع: فمنهم: من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء وقف مطرف بن عبد الله بن الشخير وبكر المزني بعرفة فقال أحدهم: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم وقف الفضيل بعرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة قد حال البكاء بينه وبين الدعاء فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: واسوأتاه منك وإن عفوت وقال الفضيل أيضا لشعيب بن حرب بالموسم: إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحد شرا مني ومنك فبئس ما ظننت دعا بعض العارفين بعرفة فقال: اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني وقف بعض.