"رب بهيمة خير من راكبها واكثر له منه ذكرا" وقد أخبر الله تعالى في كتابه أن كثيرا من الجن والإنس كالأنعام بل هم أضل.
فأباح الله عز وجل ذبح هذه البهائم المطيعة الذاكرة له لعباده المؤمنين حتى تتقوى بها أبدانهم وتكمل لذاتهم في أكلهم اللحوم فإنها من أجل الأغذية وألذها مع أن الأبدان تقوم بغير اللحم من النباتات وغيرها لكن لا تكمل القوة والعقل واللذة إلا باللحم فأباح للمؤمنين قتل هذه البهائم والأكل من لحومها ليكمل بذلك قوة عباده وعقولهم فيكون ذلك عونا لهم على علوم نافعة وأعمال صالحة يمتاز بها بنو آدم على البهائم وعلى ذكر الله عز وجل وهو أكثر من ذكر البهائم فلا يليق بالمؤمن مع هذا إلا مقابلة هذه النعم بالشكر عليها والإستعانة بها على طاعة الله عز وجل وذكره حيث فضل الله ابن آدم على كثير من المخلوقات وسخر له هذه الحيوانات قال الله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الحج: ٣٦] فأما من قتل هذه البهيمة المطيعة الذاكرة لله عز وجل ثم استعان بأكل لحومها على معاصي الله عز وجل ونسي ذكر الله عز وجل فقد قلب الأمر وكفر النعمة فلا كان من كانت البهائم خيرا منه وأطوع.
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم
وتتعب فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وإنما نهى عن صيام أيام التشريق لأنها أعياد للمسلمين مع يوم النحر فلا تصام بمنى ولا غيرها عند جمهور العلماء خلافا لعطاء في قوله: إن النهي يختص بأهل منى وإنما نهي عن التطوع بصيامها سواء وافق عادة أو لم يوافق فأما صيامها عن قضاء فرض أو نذر أو صيامها بمنى للمتمتع إذا لم يجد الهدي ففيه اختلاف مشهور بين العلماء ولا فرق بين يوم منها ويوم عند الأكثرين إلا عند مالك فإنه قال في اليوم الثالث منها: يجوز صيامه عن نذر خاصة.
وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بالأكل فيها والشرب سر حسن وهو لله تعالى لما علم ما يلاقي الوافدون إلى بيته من مشاق السفر وتعب الإحرام وجهاد النفوس على قضاء المناسك شرع لهم الإستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده وأمرهم بالأكل فيها من لحوم نسكهم فهم في ضيافة الله عز وجل فيها لطفا من الله بهم ورأفة ورحمة وشاركهم أيضا أهل الأمصار في ذلك لأن أهل الأمصار شاركوهم في حصول المغفرة والنصب لله،