علو الدرجات ومن عداهما فهو خاسر كما قال تعالى:{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر: ١, ٣] فأقسم الله تعالى أن كل إنسان خاسر إلا من اتصف بهذه الأوصاف الأربعة: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر على الحق فهذه السورة ميزان للأعمال يزين المؤمن بها نفسه فيبين له بها ربحه من خسرانه ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم.
رأى بعض المتقدمين النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقال له أوصني؟ فقال له: من استوى يوماه فهو مغبون وكان يومه شرا من أمسه فهو ملعون ومن لم يتفقد الزيادة في عمله فهو في نقصان ومن كان في نقصان فالموت خير له قال بعضهم: كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس يشير إلى أنهم كانوا لا يرضون كل يوم إلا بالزيادة من عمل الخير ويستحيون من فقد ذلك ويعدونه خسرانا كما قيل:
أليس من الخسران أن لياليا ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري
فالمؤمن القائم بشروط الإيمان لا يزداد بطول عمره إلا خيرا ومن كان كذلك فالحياة خير له من الموت وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر" خرجه مسلم وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الناس خير؟ قال:"من طال عمره وحسن عمله" قيل: فأي الناس شر؟ قال:"من طال عمره وساء عمله" وفي المسند وغيره: أن نفرا ثلاثة قدموا النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا فكانوا عند طلحة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا فخرج فيهم أحدهم فاستشهد ثم بعث بعثا آخر فخرج منهم فاستشهد ثم مات الثالث على فراشه قال طلحة: فرأيتهم في الجنة فرأيت الميت على فراشه أمامهم ورأيت الذي استشهد آخرا يليه ورأيت الذي استشهد أولهم آخرهم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "وما أنكرت من ذلك ليس أفضل عند الله عز وجل من مؤمن يعمر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله" وفي رواية قال "أليس قد مكث هذا بعده سنة"؟ قالوا: بلى قال: "وأدرك رمضان فصامه"؟ قالوا: بلى قال: "وصلى كذا وكذا سجدة في السنة"؟ قالوا: بلى قال: " فلما بينهما أبعد ما بين السماء والأرض".
قيل لبعض السلف طاب الموت قل: لا تفعل لساعة تعيش فيها.