للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمنى الموت فقد تمنى إقطاع عمله الصالح فلا ينبغي له ذلك وروى إبراهيم الحربي من رواية ابن لهيعة عن ابن الهاد عن ابن المطلب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السعادة طول العمر في طاعة الله عز وجل" وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتمنين أحدكم الموت أما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وإما مسيئا فلعله أن يستعتب" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا" وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إلا أن يكون قد وثق بعمله فإنه إن مات أحدكم انقطع عنه عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا" وفيه عن أم الفضل رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع العباس وهو يشتكي فتمنى الموت فقال: "لا تتمنى الموت فإنك إن كنت محسنا تزداد إحسانا وإن كنت مسيئا فإن تؤخر تستعب من إساءتك خير لك" وفيه أيضا عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ورققنا فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء وقال: يا ليتني مت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا سعد إن كنت خلقت للجنة فما طال من عمرك وحسن من عملك فهو خير لك".

وفي المعنى أحاديث أخر كثيرة وكلها تدل على النهي عن تمني الموت بكل حال وأن طول عمر المؤمن خير له فإنه يزداد فيه خيرا وهذا قد قيل إنه يدخل فيه تمنيه للشوق إلى لقاء الله وفيه نظر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد تمناه في تلك الحال واختلف السالكون أيما أفضل من تمنى الموت شوقا إلى لقاء الله أو من تمنى الحياة رغبة في طاعة الله أو من فوض الأمر إلى الله ورضي باختياره له ولم يختر لنفسه شيئا واستدل طائفة من الصحابة على تفضيل الموت على الحياة بقول الله عز وجل: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران: ١٩٨] ولكن الأحاديث الصحيحة تدل على أن عمر المؤمن كلما طال ازداد بذلك ما له عند الله من الخير فلا ينبغي له أن يتمنى انقطاع ذلك اللهم إلا أن يخشى الفتنة على دينه فإنه إذا خشي الفتنة على دينه فقد خشي أن يفوته ما عند الله من خير ويتبدل ذلك بالشر عياذا بالله من ذلك والموت خير من الحياة على هذه الحال.

قال ميمون بن مهران: لا خير في الحياة إلا لتائب أو رجل يعمل في الدرجات يعني أن التائب يمحو بالتوبة ما سلف من السيئات والعامل يجتهد في

<<  <   >  >>