وإن امرءا قد سار ستين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب
يا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه إنما تفرح بنقص عمرك قال أبو الدرداء والحسن رضي الله عنهما: إنما أنت أيام كلما مضى منك يوم مضى بعضك.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا ... فإنما الربح والخسران في العمل
قال بعض الحكماء: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره؟ كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله وحياته إلى موته؟.
نجد سرورا بالهلال إذا بدا ... وما هو إلا السيف للحتف ينتضى
إذا قيل تم الشهر فهو كناية ... وترجمة عن شطر عمر قد انقضى
قال الحسن: الموت معقود بنواصيكم والدنيا تطوى من ورائكم وهي مراحل.
نسير إلى الآجال في كل لحظة ... وأعمارنا تطوى وهن مراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى ... فعمرك أيام وهن قلائل
قال بعض الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه سارتا به وإن لم يسر.
وما هذه الأيام إلا مراحل ... يحث بها حاد إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها ... منازل تطوى والمسافر قاعد
يا من كلما طال عمره زاد ذنبه يا من كلما ابيض شعره بمرور الأيام اسود بالآثام قلبه.
شيخ كبير له ذنوب ... تعجز عن حملها المطايا
قد بيضت شعره الليالي ... وسودت قلبه الخطايا
يا من تمر عليه سنة بعد سنة وهو مستثقل في نوم الغفلة والسنة يا من يأتي عليه عام بعد عام وقد غرق في بحر الخطايا فعام يا من يشاهد الآيات والعبر كلما توالت عليه الأعوام والهور ويسمع الآيات والسور ولا ينتفع بما يسمع ولا بما يرى من عظائم الأمور ما الحيلة فيمن سبق عليه الشقاء في الكتاب المسطور: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦]ـ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠] .