ومما يدل أيضا في الدنيا على وجود النار الحمى التي تصيب بني آدم وهي نار باطنة فمنها نفحة من نفحات سموم جهنم ومنها نفحة من نفحات زمهريرها وقد روي في حديث خرجه الإمام أحمد وابن ماجه: أنها "جظ المؤمن من النار" والمدار أن الحمى تكفر ذنوب المؤمن وتنقيه منها كما ينقي الكير خبث الحديد وإذا طهر المؤمن من ذنوبه في الدنيا لم يجد حر النار إذا مر عليها يوم القيامة لأن وجدان الناس لحرها عند المرور عليها بحسب ذنوبهم فمن طهر من الذنوب ونقي منها في الدنيا جاز على الصراط كالبرق الخاطف والريح ولم يجد شيئا من حر النار ولم يحس بها فتقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي وفي حديث جابر المرفوع في مسند الإمام أحمد: " إنهم يدخلونها فتكون عليهم بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى أن للنار ضجيجا من بردهم".
ومن أعظم ما يذكر بنار جهنم النار التي في الدنيا قال الله تعالى:{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ}[الواقعة:٧٣] يعني: أن نار الدنيا جعلها الله تذكرة تذكر بنار جهنم مر ابن مسعود بالحدادين وقد أخرجوا حديدا من النار فوقف ينظر إليه ويبكي وروي عنه أنه مر على الذين ينفخون الكير فسقط وكان أويس يقف على الحدادين فينظر إليهم كيف ينفخون الكير ويسمع صوت النار فيصرخ ثم يسقط وكذلك الربيع بن خيثم وكان كثير من السلف يخرجون إلى الحدادين ينظرون إلى ما يصنعون بالحديد فيبكون ويتعوذون بالله من النار ورأى عطاء السليمي امرأة قد سجرت تنورها فغشي عليه قال الحسن: كان عمر ربما توقد له النار ثم يدني يده منها ثم يقول: يا ابن الخطاب هل لك على هذا صبر كان الأخنف بن قيس يجيء إلى المصباح فيضع اصبعيه فيه ويقول حس ثم يعاتب نفسه على ذنوبه أحج بعض العباد نارا بين يديه وعاتب نفسه فلم يزل يعاتبها حتى مات نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم وغسلت بالبحر مرتين حتى أشرقت وخف حرها ولولا ذلك ما انتفع بها أهل الدنيا وهي تدعو إلى الله أن لا يعيدها إليها قال بعض السلف: لو أخرج أهل النار منها إلى نار الدنيا لقالوا فيها ألفي عام يعني أنهم كانوا ينامون فيها ويرونها بردا كان عمر يقول: أكثروا ذكر النار فإن حرها شديد وإن قعرها بعيد وإن مقامعها حديد كان ابن عمر وغيره من السلف إذا شربوا ماء باردا بكوا وذكروا أمنية أهل النار وأنهم يشتهون.