الحالة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به صامه وأمر الناس بصيامه وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم ففي الصحيحين عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم" فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا عاشوراء فقال: "ما هذا من الصوم"؟! قالوا: هذا اليوم الذي نجى الله عز وجل موسى عليه السلام وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح وموسى عليهما السلام شكرا لله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم" فأمر أصحابه بالصوم وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا من أسلم: أن أذن في الناس: من أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء وفيهما أيضا عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: "من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه" فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها حتى يكون عند الإفطار وفي رواية فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة نلهيهم حتى يتموا صومهم وفي الباب أحاديث كثيرة جدا.
وخرج الطبراني بإسناد فيه جهالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو يوم عاشوراء برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة فيتفل في أفواههم ويقول لأمهاتهم:"لا ترضعوهم إلى الليل" وكان ريقه صلى الله عليه وسلم يجزئهم.
وقد اختلف العلماء رضي الله عنهم هل كان صوم يوم عاشوراء قبل فرض شهر رمضان واجبا أم كان سنة متأكدة؟ على قولين مشهورين ومذهب أبي حنيفة أنه كان واجبا حينئذ وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وأبي بكر الأثرم وقال الشافعي رحمه الله بل كان متأكد الاستحباب فقط وهو قول كثير من أصحابنا وغيرهم.