الحالة الثالثة: أنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه وقد سبق حديث عائشة في ذلك وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك ذلك وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه وفي رواية لمسلم: إن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه" وفي رواية له أيضا: " فمن أحب منكم أن يومه فليصمه ومن كره فليدعه".
وفي الصحيحين أيضا عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر" وفي رواية لمسلم التصريح برفع آخره وفي رواية للنسائي أن آخره مدرج من قول معاوية وليس بمرفوع.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أنه قال في يوم عاشوراء: هو يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك وفي رواية أنه تركه وفيه أيضا عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا عنه ولم يتعاهدنا عنده وخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث قيس بن سعد قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا وفي رواية: ونحن نفعله.
فهذه الأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجدد أمر الناس بصيامه بعد فرض صيام شهر رمضان بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه فإن كان أمره صلى الله عليه وسلم بصيامه قبل فرض صيام شهر رمضان للوجوب فإنه ينبني على أن الوجوب إذا نسخ فهل يبقى الإستحباب أم لا؟ وفيه اختلاف مشهور بين العلماء رضي الله عنهم وإن كان أمره للاستحباب المؤكد فقد قيل: إنه زال التوكيد وبقي أصل الإستحباب ولهذا قال قيس بن سعد: ونحن نفعله وقد روي عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما ما يدل على أن أصل استحباب صيامه زال وقال سعيد بن المسيب: لم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وروي عنه عن سعد بن أبي وقاص والمرسل أصح قال الدارقطني.
وأكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد وممن روي عنه صيامه من.