للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمر الصبا صبحا بساكن ذي الغضا ... ويصدع قلبي أن يهب هبوبها

قريبة عهد بالحبيب وإنما ... هوى كل نفس أين حل حبيبها

كم لله من لطف وحكمه في إهباط آدم إلى الأرض لولا نزوله لما ظهر جهاد المجاهدين واجتهاد العابدين المجتهدين ولا صعدت زفرات أنفاس التائبين ولا نزلت قطرات دموع المذنبين يا آدم إن كنت أهبطت من دار القرب: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} [البقرة: ١٨٦] إن كان حصل لك بالإخراج من الجنة كسر فأنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي أنين المذنبين أحب إلينا من زجل المسبحين، زجل المسبحين ربما يشوبه الإفتخار وأنين المذنبين يزينه الإنكسار لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم سبحان من إذا لطف بعبده في المحن قلبها منحا وإذا خذل عبدا لم ينفعه كثرة اجتهاده وعاد عليه وبالا لقن آدم حجته وألقى إليه ما تقبل به توبته: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٣٧] وطرد إبليس بعد طول خدمته فصار عمله هباء منثورا: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ*وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [صّ: ٧٧, ٧٨] إذا وضع عدله على عبد لم تبق له حسنة وإذا بسط فضله على عبد لم تبق له سيئة:

يعطي ويمنع من يشاء كما يشا ... وهباته ليست تقارنها الرشا

لما ظهر فضل آدم على الخلائق بالعلم وكان العلم لا يكمل بدون العمل بمقتضاه والجنة ليست دار عمل ومجاهدة إنما دار نعيم ومشاهدة قيل له: يا آدم اهبط إلى رباط الجهاد وصابر جنود الهوى بالجد والاجتهاد واذرف دموع الأسف على البعاد فكأنك بالعيش الماضي وقد عاد على أكمل من ذلك أوجه المعتاد:

عودوا إلى الوصل عودوا ... فالهجر صعب شديد

لو ذاق طعم الفراق رضوى ... لكاد من وجده يميد

قد حملوني عذاب شوق ... يعجز عن حمله الحديد

قلت وقلبي أسير وجد ... متيم في الجفا عميد

أنتم لنا في الهوى موال ... ونحن في أسركم عبيد

<<  <   >  >>