آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: ١٢٧, ١٢٩] فاستجاب الله دعاءهما وبعث في أهل مكة منهم رسولا بهذه الصفة من ولد إسماعيل الذي دعا مع أبيه إبراهيم عليهما السلام بهذا الدعاء وقد امتن الله تعالى على المؤمنين ببعثه لهذا النبي منهم على هذه الصفة التي دعا بها إبراهيم وإسماعيل قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[آل عمران:١٦٤] وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ*ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الجمعة: ٢, ٤] ومعلوم أنه لم يبعث من مكة رسول فيهم بهذه الصفة غير محمد صلى الله عليه وسلم وهو ولد إسماعيل كما أن أنبياء بني إسرائيل من ولد اسحاق وذكر تعالى: أنه من على المؤمنين بهذه الرسالة فليس لله نعمة أعظم من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
وقوله في الأميين والمراد بهم العرب: تنبيه لهم على قدر هذه النعمة وعظمها حيث كانوا أميين لا كتاب لهم وليس عندهم شيء من آثار النبوات كما كان عند أهل الكتاب فمن الله عليهم بهذا الرسول وبهذا الكتاب حتى صاروا أفضل الأمم وأعلمهم وعرفوا ضلالة من ضل من الأمم قبلهم.
وفي كونه منهم فائدتان:
إحداهما: أن هذا الرسول كان أيضا أميا كأمته المبعوث إليهم لم يقرأ كتابا قط ولم يخطه بيمينه كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}[العنكبوت: ٤٨] الآيات ولا خرج عن ديار قومه فأقام عند غيرهم حتى تعلم منهم شيئا بل لم يزل أميا بين أمة أمية لا يكتب ولا يقرأ حتى كمل الأربعين من عمره ثم جاء بعد ذلك بهذا الكتاب المبين وهذه الشريعة الباهرة وهذا الدين القيم الذي اعترف حذاق أهل الأرض ونظارهم أنه لم يقرع العالم ناموس أعظم منه وفي هذا برهان ظاهر على صدقه.
والفائدة الثانية: التنبيه على أن المبعوث منهم ـ وهم الأميون خصوصا أهل مكة ـ يعرفون نسبه وشرفه وصدقه وأمانته وعفته وأنه نشأ بينهم معروفا بذلك كله وأنه لم يكذب قط فكيف كان يدع الكذب على الناس ثم يفتري الكذب على الله.